للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ؛ فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ النَّاسِي وَالْمَغْلُوبِ، وَهَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ وَالْفِقْهِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي بَابِ الْأَيْمَانِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُكْرَهِ، فَتَخْرُجُ مَسْأَلَةُ الْعَاجِزِ وَالْمَغْلُوبِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، بَلْ الْمَغْلُوبُ وَالْعَاجِزُ أَوْلَى بِعَدَمِ الْحِنْثِ مِنْ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانَهُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[فَصْلٌ حُكْمُ الْتِزَامِ الطَّلَاقِ]

فَصْلٌ:

[حُكْمُ الْتِزَامِ الطَّلَاقِ]

الْمَخْرَجُ السَّادِسُ: أَخَذَهُ بِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْتِزَامَ الطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُ، وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَلَا حِنْثٌ، وَهَذَا إذَا أَخْرَجَهُ بِصِيغَةِ الِالْتِزَامِ، كَقَوْلِهِ: " الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي، أَوْ لَازِمٌ لِي، أَوْ ثَابِتٌ عَلَيَّ، أَوْ حَقٌّ عَلَيَّ، أَوْ وَاجِبٌ عَلَيَّ، أَوْ مُتَعَيِّنٌ عَلَيَّ إنْ فَعَلْتُ، أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْهُ "، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَبِهِ أَفْتَى جَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِ مَذْهَبِهِ، وَبِهِ أَفْتَى الْقَفَّالُ فِي قَوْلِهِ: " الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي " وَنَحْنُ نَذْكُرُ كَلَامَهُمْ بِحُرُوفِهِ.

[كَلَامُ الْحَنَفِيَّةِ]

قَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: لَوْ قَالَ لَهَا: " طَلَاقُك عَلَيَّ وَاجِبٌ، أَوْ لَازِمٌ، أَوْ فَرْضٌ، أَوْ ثَابِتٌ " ذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ خِلَافًا بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَقَعُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فِي قَوْلِهِ: " وَاجِبٌ " يَقَعُ بِدُونِ النِّيَّةِ، وَفِي قَوْلِهِ: " لَازِمٌ " لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا قَالَ: " إنْ فَعَلْتِ كَذَا فَطَلَاقُك عَلَيَّ وَاجِبٌ، أَوْ قَالَ لَازِمٌ، أَوْ ثَابِتٌ " فَفَعَلَتْ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْكُلِّ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ يَقَعُ فِي الْكُلِّ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَقَعُ فِي قَوْلِهِ لَازِمٌ وَلَا يَقَعُ فِي قَوْلِهِ وَاجِبٌ، ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ اخْتَارَ مِنْ الْمَشَايِخِ الْوُقُوعَ وَمَنْ اخْتَارَ عَدَمَهُ، فَقَالَ: وَكَانَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ يُفْتِي بِعَدَمِ الْوُقُوعِ فِي الْكُلِّ.

[كَلَامُ الشَّافِعِيَّةِ]

وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ: إذَا قَالَ: " الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي " فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ، حَتَّى لَا يَقَعَ بِهِ، وَإِنْ نَوَاهُ، وَلِهَذَا الْقَوْلُ مَأْخَذَانِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الطَّلَاقَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَى الْمَرْأَةِ، وَلَمْ تَتَحَقَّقْ الْإِضَافَةُ هَاهُنَا، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: " أَنَا مِنْك طَالِقٌ " لَمْ تَطْلُقْ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: " طَلِّقِي نَفْسَك " فَقَالَتْ: " أَنْتِ طَالِقٌ " لَمْ تَطْلُقْ، وَالْمَأْخَذُ الثَّانِي -، وَهُوَ مَأْخَذُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ -: أَنَّهُ الْتِزَامٌ لِحُكْمِ الطَّلَاقِ، وَحُكْمُهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِهِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: " فَعَلَيَّ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>