للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَةٌ أَرْضٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَقَرَّ أَنَّهُمَا اقْتَسَمَاهَا قِسْمَةً صَحِيحَةً شَرْعِيَّةً]

مَسْأَلَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ وَقَفْت عَلَى تَصْنِيفٍ لَطِيفٍ لِقَاضِي الْقُضَاةِ شِهَابِ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْخَلِيلِ بْنِ سَعَادَةَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ عِيسَى بْنِ مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ الشَّافِعِيِّ قَالَ فِيهِ وَقْعٌ عِنْدِي فِي جُمْلَةِ الْمُحَاكَمَاتِ أَرْضٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَقَرَّ أَنَّهُمَا اقْتَسَمَاهَا قِسْمَةً صَحِيحَةً شَرْعِيَّةً وَتَسَلَّمَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا خَصَّهُ بِالْقِسْمَةِ وَادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ شَرِيكَهُ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا خَصَّهُ بِالْقِسْمَةِ وَعَيَّنَ حَدًّا، وَقَالَ: هَذَا الْحَدُّ الَّذِي وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ عَلَيْهِ وَعَيَّنَ الشَّرِيكُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَدًّا ثَانِيًا وَقَالَ: هَذَا الَّذِي وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ عَلَيْهِ فَاَلَّذِي فِي يَدِي هُوَ حَقِّي وَلَمْ أَتَجَاوَزْ الْحَدَّ فَرَأَيْتُ اخْتِصَاصَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا وَرَاءَ الْحَدِّ الْأَوَّلِ لِاتِّفَاقِ الْمُتَنَازِعَيْنِ عَلَيْهِ وَاخْتِصَاصَ الْمُدَّعِي بِمَا وَرَاءَ الْحَدِّ الثَّانِي لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ أَيْضًا وَرَأَيْت أَنَّ مَا بَيْنَ الْحَدَّيْنِ يُقَسَّمُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى نِسْبَةِ مَا كَانَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهَا أَرْضٌ أَقَرَّ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بِنِصْفِهَا، وَهِيَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَلَا بَيِّنَةَ عَلَى انْتِقَالِ مَا أَقَرَّ بِهِ لِلْخَارِجِ إلَيْهِ فَتُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ إلَى أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهَا دَخَلَتْ فِيمَا خَصَّهُ بِالْقِسْمَةِ.

كَمَا لَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ لِزَيْدٍ بِنِصْفِ دَارٍ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَادَّعَى أَنَّهُ مَلَكَ جَمِيعَهَا فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي النِّصْفِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ لِزَيْدٍ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَا تَنْفَعُهُ الْيَدُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ الثَّانِيَةَ لَا تُعَارِضُ الْإِقْرَارَ السَّابِقَ.

وَوَقَفْتُ عَلَى ثَلَاثَةِ تَصَانِيفَ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنِ تَيْمِيَّةَ مُخْتَصَرٌ وَمُطَوَّلٌ وَمُلَخَّصٌ مِنْهُ قَالَ فِيهِ: إنَّ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَقَرَّا بِأَنَّهُمَا تَقَاسَمَا جَمِيعَ الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا اسْتَوْفَى جَمِيعَ حَقِّهِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ بِيَدِ الْآخَرِ شَيْءٌ ثُمَّ وَقَّفَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ وَانْتَقَلَ نَصِيبُ الْآخَرِ عَنْهُ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ ادَّعَى بَعْضُ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمِلْكُ بِالْبَيْعِ عَلَى أَهْلِ الْوَقْفِ قِطْعَةً بِأَيْدِيهِمْ وَلَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً بِالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ عُلِمَ ذَلِكَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ.

وَوَسَّعَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي ذَلِكَ جِدًّا فِي التَّصْنِيفِ الْمُطَوَّلِ وَظَنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُ أَجَادَ فِي ذَلِكَ.

وَاَلَّذِي أَقُولُهُ: إنَّ كَلَامَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ شَمَلَتْ جَمِيعَ ذَلِكَ وَأَنَّ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ أَخَذَهُ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ بِحَقِّ الْقِسْمَةِ وَأَنَّهَا وَقَعَتْ غَلَطًا، وَالصُّورَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْمُدَّعِي يَقُولُ: إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى قَدْرٍ زَائِدٍ وَلَمْ يَخُصَّهُ بِالْقِسْمَةِ وَلَا دَفَعَهُ الْقَاسِمُ إلَيْهِ بَلْ تَعَدَّى فِيهِ عَلَى شَرِيكِهِ وَأَخَذَهُ مِنْ نَصِيبِهِ عُدْوَانًا، وَإِذَا صُوِّرَتْ الْمَسْأَلَةُ كَذَلِكَ فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي شِهَابُ الدِّينِ وَلَا يَحْتَمِلُ الْحَالُ فِيهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>