للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَصْحَابَ قَالُوا فِيمَا إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ عَيْنًا فِي يَدِهِ فَقَالَ: إنَّهَا لِغَائِبٍ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ فَأَقَامَ بَيِّنَةً لِتَنْصَرِفَ الْخُصُومَةُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّا نَنْزِعُهَا وَنَحْكُمُ بِهَا لِلْمُدَّعِي وَيَبْقَى الْغَائِبُ عَلَى حُجَّتِهِ حَتَّى يَجِيءَ وَيَدَّعِيَ وَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حَقُّهُ إلَّا بَعْدَ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتِهِ فَكَمَا رَاعَيْنَا حَقَّ الْمُدَّعِي وَحَكَمْنَا لَهُ مَعَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِأَنَّهَا لِلْغَائِبِ كَذَلِكَ نُرَاعِي حَقَّ صَاحِبِ الدَّيْنِ هُنَا وَلَا نُؤَخِّرُهُ لِأَجْلِ الشَّكِّ الْحَاصِلِ مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَرَادَ الْحَاكِمَ أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ فِي عَيْنٍ أَنَّهَا لِغَائِبٍ لَا يَحْكُمُ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَمْ يَحْضُرْ هُوَ وَلَا وَكِيلُهُ بَلْ نَقْسِمُهَا بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَيَبْقَى الْغَائِبُ عَلَى حُجَّتِهِ، كَذَا حَكَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ مُسْتَشْهِدًا بِهَا لِلْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَلَمْ يَحْكِ فِيهَا خِلَافًا فَكَمَا حَكَمْنَا وَقَسَمْنَا الْعَيْنَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ مَعَ غَلَبَةِ الظَّنِّ أَنَّهَا لِلْغَائِبِ رِعَايَةً لِحُقُوقِهِمْ النَّاجِزَةِ وَلَمْ يُلْتَفَتْ لِلظَّنِّ الْحَاصِلِ مِنْ أَخْبَارِ الشَّاهِدَيْنِ كَذَلِكَ يُرَاعَى حَقُّ الْغَرِيمِ هُنَا وَلَا يُلْتَفَتُ لِلشَّكِّ الْحَاصِلِ مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَتَوَهُّمِ زِيَادَةٍ تَحْصُلُ لِلْمَدْيُونِ.

فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَا يُقِيمُ الْقَاضِي عَنْ الْغَائِبِ مَنْ يَدَّعِي لَهُ لِيُثْبِتَ حَقَّهَا وَيَحْفَظَهَا لَهُ؟ قُلْت: وَهَبْ لَوْ قِيلَ بِذَلِكَ لَكِنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يَقُولُوهُ.

فَإِنْ قُلْت فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا: إذَا سَمِعْنَا الْبَيِّنَةَ لِانْصِرَافِ الْخُصُومَةِ لِمَ لَا يَثْبُتُ حَقُّ الْغَائِبِ تَبَعًا وَقَدْ قَالُوا فِيمَا إذَا كَانَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ فَطَالَبَهُ بِهِ فَقَالَ إنَّك أَحَلْت عَلَيَّ بِهِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعِي فَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِالْحَوَالَةِ سُمِعَتْ لِرَفْعِ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَهَلْ يُسْمَعُ لِإِثْبَاتِ حَقِّ الْغَائِبِ تَبَعًا حَتَّى لَا يَحْتَاجَ بَعْدَ حُضُورِهِ إلَى إقَامَتِهَا؟ وَجْهَانِ لَمْ يُصَحِّحْ الرَّافِعِيُّ شَيْئًا.

قُلْت الشَّهَادَةُ بِالْحَوَالَةِ سُمِعَتْ فِي مَوْضُوعِهَا وَمَقْصُودِهَا وَهُوَ انْدِفَاعُ حَقِّ الْمُدَّعِي وَحَصَلَ التَّرَدُّدُ فِي سَمَاعِهَا فِيمَا يَسْتَتْبِعُهُ مِنْ ثُبُوتِ حَقِّ الْغَائِبِ. وَأَمَّا الْبَيِّنَةُ لِانْصِرَافِ الْخُصُومَةِ فَسُمِعَتْ عَلَى أَحَدِ الْأَوْجُهِ فِي غَيْرِ مَقْصُودِهَا وَمَوْضُوعِهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا شَهِدَتْ لِلْغَائِبِ فَسُمِعَتْ فِيمَا يَسْتَتْبِعُهُ وَهُوَ انْصِرَافُ الْخُصُومَةِ، وَالْبَائِعُ لَا يُسْتَتْبَعُ، وَحَقُّ الْغَائِبِ هُوَ الْمَشْهُودُ بِهِ الْأَصْلُ لَا يُمْكِنُ ثُبُوتُهُ بِغَيْرِ دَعْوَاهُ أَوْ دَعْوَى وَكِيلِهِ فَالْمَسْأَلَتَانِ مُتَعَاكِسَتَانِ فِي الصُّورَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>