للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَأْجُوجَ وَلِمَ فُصِلَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ؟ .

(الْجَوَابُ) اللَّفْظُ الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعِينَ» وَفِيهِ فِي جَوَابِهِمْ «فَإِنَّ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا وَمِنْكُمْ رَجُلٌ» . وَفِي لَفْظٍ آخَرَ «مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ وَمِنْكُمْ وَاحِدٌ» .

وَفِي الْبُخَارِيِّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ «فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ جَهَنَّمَ مِنْ ذُرِّيَّتِك فَيَقُولُ: يَا رَبِّ كَمْ أُخْرِجُ فَيَقُولُ: أَخْرِجْ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ.» وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّ مِنْكُمْ وَاحِدًا وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ بَاقِي الْأَلْفِ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَيْضًا أَنَّ الْوَاحِدَ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى يَلْزَمَ الْإِشْكَالُ الْمُشَارُ إلَيْهِ أَنَّ الْوَاحِدَ فِي الْجَنَّةِ وَالْوَاحِدَ الْآخَرَ فِي النَّارِ مِنَّا وَبَقِيَّةَ الْأَلْفِ فِي النَّارِ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ فَأَيْنَ الْكُفَّارُ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ.

وَنَحْنُ لَا نُنْزِلُ الْحَدِيثَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَلْزَمَ الْإِشْكَالُ بَلْ نَقُولُ: بَعْثُ النَّارِ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ مِنْهَا مَا هُوَ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَمِنْهَا مَا هُوَ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ وَالْوَاحِدُ الَّذِي يَبْقَى قَدْ يَكُونُ مِنَّا وَقَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِنَا وَلَمَّا اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الصَّحَابَةِ أَعْلَمَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ كَثْرَةِ الْخَلَائِقِ بِأَنَّ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا وَمِنْهُمْ وَاحِدًا أَيْ إذَا عُدَّتْ الْخَلَائِقُ وُجِدُوا كَذَلِكَ وَلَيْسَ هُوَ إشَارَةً إلَى تِلْكَ الْأَلْفِ الْمُخْرَجِ مِنْهَا بَعْثُ النَّارِ وَلَا الْوَاحِدِ الَّذِي يَبْقَى مِنْهَا بَلْ هُوَ قِسْمَةٌ مُبْتَدَأَةٌ لِبَيَانِ كَثْرَةِ الْخَلْقِ وَحِينَئِذٍ لَا تَتَرَتَّبُ الْمُقَدِّمَاتُ الثَّلَاثُ الَّتِي نَشَأَ مِنْهَا الْإِشْكَالُ، وَالْمَقْصُودُ تَبْقِيَةُ رَجَائِهِمْ وَأَنْ لَا يَشْتَدَّ عَلَيْهِمْ فَلَهُ مَا يُصِيبُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْوَاحِدِ لِكَثْرَةِ الْخَلْقِ وَكَثْرَةِ الْآلَافِ الَّتِي يَبْقَى مِنْ كُلِّ أَلْفٍ مِنْهَا وَاحِدٌ فَقَدْ يُصِيبُهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ كَثِيرٌ، وَالْبَعْثُ الَّذِي يُبْعَثُ إلَى النَّارِ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأُمَمِ لَيْسَ فِي الْأَحَادِيثِ مَا يَقْتَضِي خُصُوصِيَّتَهُ بِيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ لِبَيَانِ كَثْرَةِ الْخَلْقِ وَعَدَدِ الْآلَافِ لِيَقْرُبَ رَجَاؤُهُمْ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُسْلِمُونَ يَبْقَى مِنْهُمْ آحَادٌ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَهَذَا كُلُّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>