للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِقَصْدِهِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي تَجْرِي فِيهِ؛ بِخِلَافِ " حَيْثُ " فَإِنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَمْكِنَةِ الْجَرْيِ. وَالْمَقْصُودُ مُخْتَلِفٌ فَفِي الْآيَةِ الْمَقْصُودُ الْأَمْكِنَةُ، وَلَوْ قِيلَ " مَتَى " كَانَ الْمَقْصُودُ الْجَرْيَ، وَذَلِكَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِالْأَمْرِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَمْرُ مُلَازِمًا لِلْإِرَادَةِ أَوْ لَا. فَجَاءَتْ الْآيَةُ عَلَى أَبْلَغِ الْوُجُوهِ لِتَضَمُّنِهَا عُمُومَ الْأَمْكِنَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى تَعَلُّقِ الْقَصْدِ بِالْجَرْيِ بَلْ مَتَى قَصَدَ مَكَانًا جَرَتْ فِيهِ وَهُوَ أَبْلَغُ مَا يَكُونُ.

(السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ) : تَسْخِيرُ الرِّيحِ بِيَدِهِ بِقَوْلِهِ {تَجْرِي بِأَمْرِهِ} [ص: ٣٦] وَتَسْخِيرُ الشَّيَاطِينِ أَطْلَقَهُ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ، بَلْ نَفْسُ تَسْخِيرِهِمْ مُعْجِزَةٌ، لِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْقُوَّةِ وَالشَّيْطَنَةِ، فَتَذْلِيلُهُمْ خَارِقُ الْعَادَةِ.

(الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ) : {كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ} [ص: ٣٧] بَدَلٌ مِنْ الشَّيَاطِينِ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَدَلُ كُلٍّ، وَبِهِ صَرَّحَ الزَّمَخْشَرِيُّ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَدَلَ بَعْضٍ لَاحْتَاجَ إلَى تَقْدِيرِ ضَمِيرٍ، وَلَكَانَ الْمُسَخَّرُ بَعْضَ الشَّيَاطِينِ لَا كُلَّهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ كَانُوا مُسَخَّرِينَ لَهُ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْأَعْمَالِ وَالْبِنَاءِ وَالْغَوْصِ مِنْ أَعْظَمِ الْأَفْعَالِ، فَجَعَلَ هَذَانِ الْوَصْفَانِ لِلْجَمِيعِ؛ وَيَبْقَى فِيهِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ بَدَلَ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ وَالْأَوَّلُ الشَّيَاطِينُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْمَجْمُوعِ وَالثَّانِي مَدْلُولُهُ كُلُّ فَرْدٍ، فَكَيْفَ يَكُونُ إيَّاهُ؟

(التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ) : قَوْلُهُ {وَآخَرِينَ} [ص: ٣٨] قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَطْفُ كُلٍّ دَاخِلٌ فِي حُكْمِ الْبَدَلِ وَهُوَ بَدَلُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ.

(الثَّلَاثُونَ) : {مُقَرَّنِينَ} [ص: ٣٨] كَانَ يَقْرُنُ مَرَدَةَ الشَّيَاطِينِ بَعْضَهُمْ مَعَ بَعْضٍ فِي الْقُيُودِ وَالسَّلَاسِلِ لِلتَّأْدِيبِ وَالْكَفِّ عَنْ الْفَسَادِ. وَعَنْ السُّدِّيِّ كَأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَأَعْنَاقِهِمْ مُغَلَّلِينَ فِي الْجَوَامِعِ وَهُوَ مَا يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْيَدِ وَيَشُدُّ.

(الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ) : الْأَصْفَادُ جَمْعُ صَفَدٍ وَهُوَ الْقَيْدُ وَيُسَمَّى بِهِ الْعَطَاءُ كَمَا قِيلَ

وَمَنْ وَجَدَ الْإِحْسَانَ قَيْدًا تَقَيَّدَا

وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ قَالُوا صَفَدَهُ وَأَصْفَدَهُ أَعْطَاهُ كَ وَعَدَهُ وَأَوْعَدَهُ.

(الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ) : الْعَطَاءُ الْعَطِيَّةُ وَهُوَ الشَّيْءُ الْمُعْطَى وَفِي تَصْوِيرِهِ حَاضِرًا وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ بِهَذَا وَإِضَافَتُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بَنُونَ الْوَاحِدِ الْمُعَظِّمِ نَفْسَهُ خِطَابًا مِنْهُ تَنْبِيهٌ عَلَى عِظَمِ هَذَا الْعَطَاءِ.

(الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ) : {فَامْنُنْ} [ص: ٣٩] قِيلَ اُمْنُنْ عَلَى مَنْ شِئْت مِنْ الشَّيَاطِينِ أَوْ أَمْسِكْ مَنْ شِئْت مِنْهُمْ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُرَادَ اُمْنُنْ أَيْ أَنْعِمْ وَهُوَ مِنْ الْمِنَّةِ أَيْ أَعْطِ مَنْ شِئْت مَا شِئْت أَوْ أَمْسِكْ فَوَّضَ إلَيْهِ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَهَذَا تَخْيِيرٌ مَحْضٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ فِي أَمْثِلَةِ التَّخْيِيرِ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ، لِأَنَّ قَوْلَهُ {فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا} [الطور: ١٦] الْمُرَادُ بِهِ التَّسْوِيَةُ وَلَعَلَّهُ مِمَّا خَرَجَ فِيهِ اللَّفْظُ عَنْ مَعْنَى الْأَمْرِ إلَى مَعْنَى التَّهْدِيدِ، وَقَوْلُهُ {كُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة: ٦٠] أَمْرُ إبَاحَةٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ أَرْجَحَ مِنْ الْآخَرِ.

(الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ) : {بِغَيْرِ حِسَابٍ} [ص: ٣٩] يَحْتَمِلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>