للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَعْبُدُ اللَّهَ وَمَا أَحَدٌ غَيْرَهُ يُعْبَدُ، فَأَنْتُمْ إذَا لَمْ تُوَافِقُونِي اُعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ فَلَمْ تَجِدُوا شَيْئًا.

وَنَظِيرُهُ أَنْ تَقُولَ لِمَنْ يُجَادِلُك وَقَدْ ذَكَرْت لَهُ الْقَوْلَ الْحَقَّ الَّذِي لَا مَحِيصَ عَنْهُ: أَنَا قُلْت هَذَا فَقُلْ أَنْتَ مَا تَشْتَهِي يَعْنِي أَنَّهُ مَنْ قَالَ خِلَافَهُ فَلَا شَيْءَ فَهُوَ مِثَالٌ لِفَسَادِ مَا يَقُولُهُ وَإِنْ لَمْ يُرَتَّبْ عَلَيْهِ وَعِيدَانِ قَصَدْت تَرْتِيبَ وَعِيدٍ عَلَيْهِ فَهُوَ التَّهْدِيدُ انْتَهَى.

[قَوْله تَعَالَى يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ]

(آيَةٌ أُخْرَى)

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَوْله تَعَالَى {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ} [غافر: ١٩] قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْخَائِنَةُ صِفَةٌ لِلنَّظْرَةِ أَوْ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْخِيَانَةِ كَالْعَافِيَةِ بِمَعْنَى الْمُعَافَاةِ وَالْمُرَادُ اسْتِرَاقُ النَّظَرِ إلَى مَا لَا يَحِلُّ كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ الرَّيْبِ وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُرَادَ الْخَائِنَةُ مِنْ الْأَعْيُنِ لِأَنَّ قَوْلَهُ {وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: ١٩] لَا يُسَاعِدُ عَلَيْهِ.

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ إلَى مَا لَا يَحِلُّ وَافَقَهُ عَلَيْهِ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي نِهَايَةِ الْغَرِيبِ، وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ الزَّمَخْشَرِيِّ. وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، وَإِنْ قَالَاهُ هُمَا وَغَيْرُهُمَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ لَمَّا أَهْدَرَ دَمَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ وَأَتَاهُ بِهِ عُثْمَانُ أَوْقَفَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَعْطَفَهُ عَلَيْهِ إلَى أَنْ عَفَا عَنْهُ حَيَاءً مِنْ عُثْمَانَ. فَانْصَرَفَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ يَقُومُ إلَيْهِ فَيَقْتُلُهُ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَّا أَوْمَأْت إلَيْنَا؟ فَقَالَ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ» فَانْظُرْ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ كَانَ قَتْلُهُ حَلَالًا وَلَوْ أَوْمَأَ إلَيْهِ أَوْمَأَ إلَى مَا يَحِلُّ لَا إلَى مَا لَا يَحِلُّ، وَلَكِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لِعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِمْ لَا يُبْطِنُونَ خِلَافَ مَا يُظْهِرُونَ فَكَانَ مِنْ خَصَائِصِهِمْ تَحْرِيمُ ذَلِكَ، وَهُوَ حَلَالٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ وَلَوْ كَانَتْ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ هِيَ النَّظْرَةُ إلَى مَا لَا يَحِلُّ كَانَتْ حَرَامًا فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ، وَلَمْ تَكُنْ مِنْ الْخَصَائِصِ فَلَمَّا كَانَتْ مِنْ الْخَصَائِصِ عُلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَمَا قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>