للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّعْوَةِ إلَى الْإِيمَانِ وَإِنَّمَا التَّخْصِيصُ بِالْفَرْعِ وَهَذَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ فِي الطُّوفَانِ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ إلَّا قَوْمُ نُوحٍ وَبِأَنَّ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ دَخَلُوا فِي دَعْوَةِ مُوسَى بِالْإِيمَانِ.

وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى مَذْهَبِنَا فِي أَنَّ الْأَحْكَامَ كُلَّهَا أُصُولَهَا وَفُرُوعَهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْعِ، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهَا تَثْبُتُ بِالْعَقْلِ فَيَكْتَفُونَ فِي إغْرَاقِ فِرْعَوْنَ وَنَحْوِهِ بِقِيَامِ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ عَلَيْهِ وَبِالْإِيمَانِ وَمُخَالَفَتِهِ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فُرِضَ سَوَاءٌ قُلْنَا بِقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ أَوْ بِمَا مَرَّ بِي مِنْ كَلَامِ بَعْضِ النَّاسِ أَوْ بِمَا قُلْنَاهُ، وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ دَعْوَةَ كُلِّ نَبِيٍّ بِالْإِيمَانِ وَأُصُولِ الدِّينِ كَانَتْ عَامَّةً لِدَعْوَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اشْتِرَاكِ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ فِي الدَّعْوَةِ إلَى الْإِيمَانِ أَنَّ دَعْوَةَ كُلٍّ مِنْهُمْ عَامَّةٌ فِيهِ إلَى جَمِيعِ النَّاسِ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ دَعَا قَوْمَهُ إلَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ} [الشورى: ١٣]- الْآيَةَ فَكُلُّ وَاحِدٍ دَاعٍ إلَى ذَلِكَ مَنْ أُرْسِلَ إلَيْهِ.

وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [نوح: ١] وَقَالَ تَعَالَى {وَإِلَى عَادٍ} [الأعراف: ٦٥] {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [الأعراف: ٧٣] وَقَالَ فِي التَّوْرَاةِ {هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [الإسراء: ٢] وَقَالَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَرَسُولا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [آل عمران: ٤٩] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ} [الأحزاب: ٤٥] وَلَمْ يُخَصِّصْ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ وَبُعِثْت إلَى النَّاسِ عَامَّةً» وَظَاهِرُهُ مَا قُلْنَاهُ فَالْعُدُولُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ.

(فَصْلٌ) قَالَ السَّائِلُ: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ} [الأعراف: ١٣٨] الْآيَاتِ فَلَمْ يُنْكِرْ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَيْهِمْ فَلَا دَعَاهُمْ إلَى دِينِهِ.

أَقُولُ: أَمَّا كَوْنُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ فَلَا يُقْدَرُ عَلَى إثْبَاتِهِ وَلَعَلَّهُ قَدْ أُنْكِرَ، وَأَمَّا كَوْنُهُ مَا دَعَاهُمْ إلَى التَّوْحِيدِ فَكَذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أُولَئِكَ الْقَوْمَ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَةُ نَبِيٍّ قَبْلَهُ فَمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَبْعُوثًا إلَى أُولَئِكَ الْقَوْمِ لَكِنَّهُ إذَا رَآهُمْ عَلَى جَهْلٍ وَخَطَأٍ لَا يَتْرُكُ إرْشَادَهُمْ.

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ تَأْيِيدُ ذَلِكَ الْمُدَّعَى بِهَذِهِ الْقِصَّةِ ضَعِيفٌ وَذَلِكَ الْمُدَّعَى مُتَأَيَّدٌ ثَابِتٌ بِغَيْرِهَا كَمَا سَبَقَ.

هَذَا مَا انْتَهَى نَظَرِي إلَيْهِ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ. وَقَدْ اسْتَوْفَيْت كَلَامَ السَّائِلِ فَلَمْ أَحْذِفْ مِنْهُ شَيْئًا وَهَذَا الْجَوَابُ يُصْلَحُ أَنْ يَكُونَ تَصْنِيفًا مُسْتَقِلًّا وَيُسَمَّى (الدَّلَالَةُ عَلَى عُمُومِ الرِّسَالَةِ) فَرَغْت مِنْهُ عِنْدَ أَذَانِ الصُّبْحِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ سَابِعَ عَشَرَ شَعْبَانَ سَنَةَ ٢٣٨ انْتَهَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>