للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَحَذَفَ الرَّاجِعَ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ كَمَا حُذِفَ مِنْ قَوْلِهِمْ: السَّمْنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ أَحْسَنُ مِنْهُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى الصَّبْرِ وَالْمَغْفِرَةِ لِدَلَالَةِ " صَبَرَ وَغَفَرَ " عَلَيْهِمَا كَأَنَّهُ قَالَ إنَّ صَبْرَهُمْ وَمَغْفِرَتَهُمْ فَأَغْنَى عَنْ الرَّابِطِ كَقَوْلِهِ {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: ٢٦] .

قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ} [الزخرف: ٣٦] قُرِئَ شَاذًّا (وَمَنْ يَعْشُو) بِالْوَاوِ وَجَعَلَهَا الزَّمَخْشَرِيُّ مَوْصُولَةً وَإِنْ كَانَتْ تُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً وَثَبَتَتْ الْوَاوُ كَمَا ثَبَتَتْ فِي (مَنْ يَتَّقِي وَيَصْبِرُ) . ثُمَّ قَالَ وَحَقُّ هَذَا الْقَارِئِ أَنْ يَرْفَعَ (نُقَيِّضْ) وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ أَبُو حَيَّانَ بِأَنْ يَكُونَ جَزْمُ الْجَوَابِ يُشَبِّهُ الْمَوْصُولَ بِاسْمِ الشَّرْطِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَسْمُوعًا فِي " الَّذِي " وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ اسْمُ شَرْطٍ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ فِيمَا اُسْتُعْمِلَ مَوْصُولًا. وَشَرْطًا قَالَ الشَّاعِرُ

وَلَا تَحْفِرَنْ بِئْرًا تُرِيدُ أَخًا بِهَا ... فَإِنَّك فِيهَا أَنْتَ مِنْ دُونِهِ تَقَعْ

كَذَاك الَّذِي يَبْغِي عَلَى النَّاسِ ظَالِمًا ... تُصِبْهُ عَلَى رَغْمٍ عَوَاقِبُ مَا صَنَعْ

أَنْشَدَهُمَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ، وَلَهُ وَجْهٌ مِنْ الْقِيَاسِ. لِأَنَّهُ كَمَا يُشَبِّهُ الْمَوْصُولَ بِاسْمِ الشَّرْطِ فَدَخَلَتْ الْفَاءُ فِي خَبَرِهِ فَكَذَلِكَ يُشَبِّهُ بِهِ فَيَنْجَزِمُ الْخَبَرُ، إلَّا أَنَّ دُخُولَ الْفَاءِ يَنْقَاسُ بِشُرُوطِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي عِلْمِ النَّحْوِ وَهَذَا لَا يَنْفِيهِ الْبَصْرِيُّونَ. انْتَهَى مَا قَالَهُ أَبُو حَيَّانَ.

فَأَمَّا مَا قَالَهُ مِنْ الْقِيَاسِ فِي جَزْمِ الْجَوَابِ عَلَى دُخُولِ الْفَاءِ فَصَحِيحٌ وَأَمَّا الْقِيَاسُ " مِنْ " عَلَى " الَّذِي " فَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ " الَّذِي " اُسْتُعْمِلَتْ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ، فَلَا بُعْدَ فِي دُخُولِ الْفَاءِ فِي خَبَرِهَا، وَفِي جَزْمِ جَوَابِهَا نَظَرٌ إلَى مَعْنَاهَا، لِأَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ وَأَمَّا " مِنْ " إذَا خَرَجَتْ عَنْ الشَّرْطِيَّةِ وَاسْتُعْمِلَتْ مَوْصُولَةً لَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ فَكَيْفَ يُجْزَمُ الْجَوَابُ. فَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يُجْزَمُ بِهَا أَصْلًا، لِأَنَّ الْجَزْمَ إمَّا بِالْمَعْنَى وَإِمَّا بِاللَّفْظِ لَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ بِالْمَعْنَى، لِأَنَّ الْمَعْنَى وَالْحَالَةَ هَذِهِ لَيْسَ هُوَ الشَّرْطُ، وَلَا بِاللَّفْظِ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْمَوْصُولِ فَقَدْ يُرِيدُ الثَّانِي، وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ اتَّحَدَ الْمَعْنَى، فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقِيَاسَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْتَرِكَا فِي الْمَعْنَى فَضْلًا عَنْ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ أَوْلَى انْتَهَى.

[قَوْله تَعَالَى سَيَهْدِينِ]

(آيَةٌ أُخْرَى)

قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي سُورَةِ الزُّخْرُفِ فِي قَوْلِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (سَيَهْدِينِ) أَنَّهُ قَالَ مَرَّةً {فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء: ٧٨] وَمَرَّةً {فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [الزخرف: ٢٧] فَاجْمَعْ بَيْنَهَا وَقَدِّرْ كَأَنَّهُ قَالَ {فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء: ٧٨] وَ (سَيَهْدِينِ) فَيَدُلَّانِ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْهِدَايَةِ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ. قُلْت: وَاَلَّذِي قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ صَحِيحٌ وَلَيْسَ عِنْدِي فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>