للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا قُلْنَا مِنْ مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَوْ أَنْشَأَ الْإِجَارَةَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ مُصَرِّحًا بِالْإِضَافَةِ إلَى أَوَّلِ الْغَدِ لَمْ يَصِحُّ، وَإِنْ أَطْلَقَ صَحَّ إلَى آخِرِهِ يُؤْخَذُ مِنْهُ تَأْيِيدُ مَا قُلْنَاهُ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا بَيَّنَّاهُ.

إذَا عَرَفْت هَذَا فَنَقُولُ: إذَا قُلْنَا بِقَوْلِ الْغَزَالِيِّ وَهُوَ الْأَوْلَى وَأَسْلَمَ الْيَهُودِيُّ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَأَتَى عَلَيْهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ يَوْمُ سَبْتٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهَا لِمَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ دُخُولِهِ فِي الْإِجَارَةِ وَمِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ لِمَنْفَعَتِهِ فِيهِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ عَلَيْهِ الِاسْتِيفَاءُ لِأَمْرٍ عُرْفِيٍّ مَشْرُوطٍ بِبَقَاءِ الْيَهُودِيَّةِ فَإِذَا أَسْلَمَ لَمْ يَبْقَ مَانِعٌ، وَالِاسْتِحْقَاقُ ثَابِتٌ لِعُمُومِ الْعَقْدِ فَيَسْتَوْفِيهِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ أَنْ يُؤَدِّيَ الصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا وَيَزُولَ اسْتِحْقَاقُ الْمُسْتَأْجِرِ لِاسْتِيفَائِهَا بِالْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ بِالْعَقْدِ كَمَا لَمْ يُسْتَحَقَّ اسْتِيفَاؤُهَا فِي اسْتِئْجَارِ الْمُسْلِمِ لِأَجْلِ الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ بِالْعَقْدِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ، وَإِنَّمَا وَجَبَ اسْتِحْقَاقُ صَرْفِهَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ إلَى الْعَمَلِ لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ اسْتِيفَائِهَا مَعَ اسْتِحْقَاقِهَا، وَنَظِيرُهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً لِعَمَلٍ مُدَّةً فَحَاضَتْ فِي بَعْضِهَا فَأَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ لَيْسَتْ مُسْتَثْنَاةً وَفِي غَيْرِ زَمَنِ الْحَيْضِ مُسْتَثْنَاةً لِمَا قُلْنَاهُ، وَلَا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى حَالِ الْعَقْدِ بَلْ إلَى حَالِ الِاسْتِيفَاءِ، وَهَكَذَا اكْتِرَاءُ الْإِبِلِ لِلْحَجِّ وَسَيْرُهَا مَحْمُولٌ عَلَى الْعَادَةِ وَالْمَنَازِلِ الْمُعْتَادَةِ فَلَوْ اتَّفَقَ بِغَيْرِ الْعَادَةِ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَسَارَ النَّاسُ عَلَى خِلَافِ مَا كَانُوا يَسِيرُونَ فِيمَا لَا يَضُرُّ بِالْأَجِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا صَارَ عَادَةً لِلنَّاسِ وَلَا نَقُولُ بِانْفِسَاخِ الْعَقْدِ وَلَا بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ الْأُولَى، وَهَذَا مُقْتَضَى الْفِقْهِ وَإِنْ لَمْ أَجِدْهُ مَنْقُولًا.

وَقَوْلُ السَّائِلِ: هَلْ يَتَمَكَّنُ الْمُسْتَأْجِرُ بِذَلِكَ مِنْ الْفَسْخِ؟ جَوَابُهُ قَدْ ظَهَرَ مِمَّا قُلْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْفَسْخِ بِذَلِكَ وَلَا يَسْقُطُ مَا يُقَابِلُهَا مِنْ الْأُجْرَةِ وَلَا يُقَابَلُ بِأَيَّامِ السُّبُوتِ.

وَمِنْ هَذَا الْفِقْهِ الَّذِي أَبْدَيْنَاهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَجُولُ النَّظَرُ فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَوْ اسْتَعْمَلَ الْأَجِيرَ الْيَهُودِيَّ يَوْمَ السَّبْتِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَقَدْ قُلْنَا: يَجِبُ تَخْلِيَتُهُ أَوْ لَوْ أَلْزَمَ الْأَجِيرَ الْمُسْلِمَ بِالْعَمَلِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَنَحْوِهَا ظَالِمًا بِذَلِكَ أَوْ فِي اللَّيْلِ هَلْ تَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَنْ تِلْكَ الْأَوْقَاتِ، كَذَا لَوْ اسْتَعْمَلَ غَيْرَهُ ظَالِمًا

<<  <  ج: ص:  >  >>