للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَكَرَتْ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَزَالَ عَنْهَا وَخُوطِبَتْ بِهِ كَانَ أَشَدَّ عَلَيْهَا.

(الرَّابِعَةُ) أَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَأَنَّ شِدَّتَهُ بَلَغَتْ مَبْلَغًا لَا يَنْفَعُ فِيهِ إلَّا شَفِيعٌ لَهُ قُوَّةٌ وَرُتْبَةٌ أَنْ يُطَاعَ، لَوْ وُجِدَ، وَهُوَ لَا يُوجَدُ. وَهَذِهِ قَرِيبَةٌ مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا، إلَّا أَنَّهَا بِحَسَبِ الْحَاضِرِ وَتِلْكَ بِحَسَبِ الْمَاضِي.

(الْخَامِسَةُ) التَّنْبِيهُ عَلَى مَا قُصِدَ الشَّفِيعُ لِأَجَلِهِ كَقَوْلِ الْمَغْلُوبِ الَّذِي مَا عِنْدَهُ أَحَدٌ قُصِدَ الشَّفِيعُ لِأَجَلِهِ؛ يَقُولُ مَا عِنْدِي أَحَدٌ يَنْصُرُنِي، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَقْصُودَهُ النُّصْرَةُ.

(السَّادِسَةُ) مَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَحَاصِلُهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ نَفْيُ الصِّفَةِ وَذِكْرُ الدَّلِيلِ عَلَى نَفْيِهَا. وَذِكْرُ الشَّيْءِ بِدَلِيلِهِ أَحْسَنُ، فَالْمَقْصُودُ نَفْيُ الطَّاعَةِ الَّتِي هِيَ قَبُولُ الشَّفَاعَةِ، وَتَعْلِيلُ ذَلِكَ النَّفْيِ بِانْتِفَاءِ الشَّفِيعِ؛ وَكَوْنُ الْمَقْصُودِ نَفْيَ الطَّاعَةِ هُوَ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي كَلَامِنَا فِي الْأَوْجُهِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالتَّعْلِيلُ أَفَادَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ هُنَا؛ وَيَخْرُجُ مِنْ دَلَالَتِهِ أَيْضًا إفَادَةُ نَفْيِ الشَّفِيعِ عَلَى عَكْسِ مَا يَقْتَضِيهِ مَفْهُومُ الصِّفَةِ؛ فَتَكُونُ فَائِدَةً سَابِعَةً وَلْنَشْرَحْ كَلَامَهُ فَنَقُولُ قَوْلُهُ " ضُمَّتْ إلَيْهِ " أَيْ إلَى الْمَوْصُوفِ، وَاسْتَعْمَلَ لَفْظَ الضَّمِّ لِيُفِيدَ الْهَيْئَةَ الِاجْتِمَاعِيَّةَ، فَإِنَّ الْغَرَضَ يَحْصُلُ مِنْهَا لَا مِنْ ذِكْرِ الصِّفَةِ وَحْدَهَا وَقَوْلُهُ " لِيُقَامَ " أَيْ الْغَرَضُ مِنْ الضَّمِّ هَذِهِ الْإِقَامَةُ وَقَوْلُهُ " مَقَامَ الشَّاهِدِ " أَيْ الدَّلِيلُ وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الْعِلَّةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْوُجُودِيَّاتِ وَالِانْتِفَاءُ عَدَمِيٌّ وَقَوْلُهُ " لِأَنَّ الصِّفَةَ لَا تَتَأَتَّى بِدُونِ مَوْصُوفِهَا " تَعْلِيلٌ لِكَوْنِ انْتِفَاءِ الْمَوْصُوفِ شَاهِدًا وَدَلِيلًا وَهُوَ تَعْلِيلٌ صَحِيحٌ وَيَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الصِّفَةِ وُجُودُ الْمَوْصُوفِ وَمِنْ عَدَمِهَا عَدَمُهُ وَلَوْ قَالَ: لِأَنَّهُ لَا تَتَأَتَّى صِفَةٌ بِدُونِ مَوْصُوفِهَا سَلِمَ مَنْ جَعْلِ اسْمِ " إنَّ " نَكِرَةً.

وَقَوْلُهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ أَيْ إقَامَةُ الْمَوْصُوفِ شَاهِدًا لِتَوَهُّمِ وُجُودِ الْمَوْصُوفِ أَيْ الشَّفِيعِ وَلَا يُرِيدُ الْمَوْصُوفَ الْمُقَيَّدَ بِكَوْنِهِ مَوْصُوفًا لِاسْتِحَالَةِ تَوَهُّمِ وُجُودِهِ بِدُونِ صِفَتِهِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ مُطْلَقَ الشَّفِيعِ وَإِنَّمَا كَانَتْ إقَامَةُ نَفْيِهِ شَاهِدًا مُزِيلَةَ وُجُودِهِ لِأَنَّ الشَّاهِدَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَإِذَا كَانَ الِانْتِفَاءُ مَعْلُومًا لَمْ يَكُنْ الْوُجُودُ مَوْهُومًا.

وَهَذَا قَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي كَلَامِهِ حَيْثُ قَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَوَهَّمَ خِلَافُهُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِنَفْيِ الشَّفِيعِ إفَادَةَ الِانْتِفَاءِ لِأَنَّ انْتِفَاءَهُ مَعْلُومٌ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: ٢٨] وَنَحْوِهِ فَعُلِمَ أَنَّ الْإِخْبَارَ بِهِ هُنَا إنَّمَا قُصِدَ بِهِ مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ وَهُوَ انْتِفَاءُ الشَّفِيعِ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِالطَّاعَةِ وَأَقَامَهُ شَاهِدًا عَلَى ذَلِكَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ عَلَى الْحَاشِيَةِ أَيْ وَبَيَانًا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِنَفْيِ الْمَوْصُوفِ إلَّا نَفْيَ صِفَتِهِ وَالِاسْتِدْلَالَ بِانْتِفَائِهِ عَلَى انْتِفَائِهَا وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى فِي كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ إشْكَالٌ وَقَوْلُهُ " وَبَيَانُهُ " إلَى آخِرِهِ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ فَكَانَ الشَّفِيعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>