للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَطَلَتْ صَلَاتُهُ اسْتِصْحَابًا لِلنَّجَاسَةِ وَلَا يَتَعَدَّى الْعَفْوُ إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ لِعَدَمِ عُسْرِ الِاحْتِرَازِ وَهُوَ عِلَّةُ الْعَفْوِ، وَالْمُعْظَمُ إنَّمَا صَحَّحُوا النَّجَاسَةَ إذَا لَمْ تَغِبْ وَتَصْحِيحُ الطَّهَارَةِ إذَا غَابَتْ

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهُ الْأَظْهَرُ وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مَسْنُونًا إلَى الْمُعْظَمِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ؛ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إنَّ الْأَصَحَّ فِيهِ النَّجَاسَةُ وَالثَّوْبُ الْمَذْكُورُ يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ لِعَدَمِ اسْتِصْحَابِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، فَإِنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ حُصُولَهَا فِي الْقَدْرِ الْبَاقِي وَإِذَا لَبِسَهُ الْمُصَلِّي بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِاشْتِرَاطِ يَقِينِ الطَّهَارَةِ أَوْ ظَنِّهَا فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ، وُجُوبُ غَسْلِ جَمِيعِ الثَّوْبِ مُحَقَّقٌ بَعْضُهُ يَغْسِلُهُ لِلنَّجَاسَةِ وَبَعْضُهُ يَغْسِلُهُ لِلِاشْتِبَاهِ، فَإِذَا غَسَلَ بَعْضَهُ فَالْمُحَقَّقُ الْمُسْتَحَبُّ وُجُوبُ الْغَسْلِ بِإِحْدَى الْعِلَّتَيْنِ لَا الْعِلَّةِ الْمُعَيَّنَةِ، وَوُجُوبُ الْغَسْلِ يَكْفِي فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ، وَلَا يَكْفِي فِي تَنْجِيسِ الْمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ لَمْ أَجِدْهَا مَنْقُولَةً وَقَدْ كَتَبْت عَلَيْهَا كِتَابَةً مُطَوَّلَةً فِي فَتْوَى سَأَلَنِي بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الشعر الَّذِي عَلَى الْفَرْو الْمَدْبُوغ]

(مَسْأَلَةٌ) الشَّعْرُ الَّذِي عَلَى الْفَرْوِ الْمَدْبُوغِ طَاهِرٌ، إمَّا لِأَنَّ الشَّعْرَ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَإِمَّا لِأَنَّ الشُّعُورَ طَاهِرَةٌ. وَهَذَا لَا شَكَّ عِنْدِي فِيهِ، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي صَحِيحِهِ «عَنْ أَبِي الْخَيْرِ مُرْشِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ قَالَ. رَأَيْت عَلَى ابْنِ وَعْلَةَ السَّبَئِيِّ فَرْوَةً فَمَسِسْتُهُ فَقَالَ مَالَك تَمَسُّهُ؟ قَدْ سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، قُلْت: إنَّا نَكُونُ بِالْمَغْرِبِ وَمَعَنَا الْبَرْبَرُ وَالْمَجُوسُ نُؤْتَى بِالْكَبْشِ قَدْ ذَبَحُوهُ وَنَحْنُ لَا نَأْكُلُ ذَبَائِحَهُمْ وَيَأْتُونَا بِالسِّقَاءِ يَجْعَلُونَ فِيهِ الْوَدَكَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ دِبَاغُهُ طَهُورُهُ»

فَهَذَا نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَصَحَّحَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ أَنَّ الشَّعْرَ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ. وَالصَّحِيحُ عِنْدَ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ الْمَشْهُورُ أَنَّ الشَّعْرَ يُنَجَّسُ بِالْمَوْتِ، وَلَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، وَهُوَ خِلَافُ الْحَدِيثِ وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ وَأَفْتَى بِهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَائِدَةٌ) : نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ مَذْهَبَ الزُّهْرِيِّ أَنَّ الْجِلْدَ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ قَبْلَ الدِّبَاغِ نَقَلَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسٍ وَهُوَ صَحِيحٌ. وَزَادَ فَقَالَ: إنَّهُ وَجْهٌ لِأَصْحَابِنَا عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّ الزُّهُومَةَ الَّتِي فِيهِ نَجِسَةٌ فَهُوَ كَثَوْبِ مُتَنَجِّسٍ، وَهَذَا خِلَافُ مَذْهَبِ الزُّهْرِيِّ، فَجَعْلُهُ إيَّاهُ مِثْلَهُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ مَا فِي التَّتِمَّةِ بِدُونِ كَوْنِ الزُّهُومَةِ نَجِسَةً، وَجَعَلَهُ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ، فَأَوْهَمَ أَنَّهُ طَاهِرٌ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ فَنَقَلَ الْوَجْهَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَكْلُهُ قَبْلَ الدِّبَاغِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>