للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ فَبَقِيَ الْوَجْهُ الْمُقَابِلُ بِأَنَّهُ تَهَجُّمٌ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ. فَجَوَابُهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ الطَّهَارَةُ يُعَارِضُهُ الْأَصْلُ عَدَمُ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِي الْآخَرِ، فَلْتَكُنْ وَاقِعَةً فِيهِ وَصَارَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ أَصْلَانِ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى الطَّهَارَةِ بِنَفْسِهِ وَأَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى النَّجَاسَةِ بِالطَّرِيقِ الَّتِي أَشَرْنَا إلَيْهَا. فَاحْتَجْنَا إلَى تَقْوِيَةِ الْأَوَّلِ بِالِاجْتِهَادِ لِيَنْدَفِعَ بِهِ الثَّانِي فَيَنْفَرِدُ الْأَوَّلُ وَلَعَلَّ الْقَائِلَ بِالْهُجُومِ يَقُولُ: إنَّ الْأَصْلَ الْأَوَّلَ دَالٌّ بِنَفْسِهِ وَالثَّانِي دَالٌّ بِوَاسِطَةٍ فَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ فَيُكْتَفَى بِهِ بِلَا اجْتِهَادٍ لَكِنْ عِنْدَ التَّحْقِيقِ نَجِدُ التَّعَارُضَ قَوِيًّا لِأَنَّ يَقِينَ النَّجَاسَةِ مَوْجُودٌ وَاحْتِمَالُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ حَتَّى يُرَجَّحَ أَحَدُهُمَا بِاجْتِهَادٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَائِدَةٌ) قَاسُوا الْجُنُونَ عَلَى النَّوْمِ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ بِعِلَّةِ الْغَلَبَةِ عَلَى الْعَقْلِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَلَك أَنْ تَقُولَ فِي النَّوْمِ الْغَلَبَةُ عَلَى الْعَقْلِ وَاسْتِرْخَاءُ الْمَفَاصِلِ، وَهُوَ مَظِنَّةُ خُرُوجِ الْخَارِجِ وَأَمَّا الْغَلَبَةُ عَلَى الْعَقْلِ فَإِنَّمَا تَقْتَضِي عَدَمَ الشُّعُورِ لَا نَفْسَ الْخُرُوجِ وَمَتَى اُعْتُبِرَ اسْتِرْخَاءُ الْمَفَاصِلِ إمَّا عِلَّةً وَإِمَّا جُزْءَ عِلَّةٍ امْتَنَعَ الْقِيَاسُ وَهَذَا الْقِيَاسُ ظَهَرَ لِي وَلَمْ يَظْهَرْ لِي جَوَابُهُ.

(فَائِدَةٌ) السَّكْرَانُ إذَا عُومِلَ مُعَامَلَةَ الصَّاحِي مُطْلَقًا لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ وُضُوئِهِ وَيُدْعَى إلَى الصَّلَاةِ وَيُقْتَلُ بِتَرْكِهَا، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: ٤٣] .

(فَائِدَةٌ) قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: ٦] هَلْ الضَّمِيرُ فِي " اغْسِلُوا " لِلَّذِينَ آمَنُوا فَيَكُونُونَ مَأْمُورِينَ الْآنَ بِالْغُسْلِ وَقْتَ الْقِيَامِ أَوْ الَّذِينَ آمَنُوا الْقَائِمِينَ لِلصَّلَاةِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الشَّرْطُ فَلَا يَكُونُونَ مَأْمُورِينَ إلَّا وَقْتَ الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ؟ فِيهِ بَحْثٌ وَالْأَظْهَرُ الثَّانِي. وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ شَرِيفَةٌ يَنْبَنِي عَلَيْهَا مَبَاحِثُ كَثِيرَةٌ وَيَشْهَدُ لِاخْتِيَارِ الثَّانِي فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} [الطلاق: ١] فَطَابَقَ الْأَمْرُ مَا دَلَّ الشَّرْطُ عَلَيْهِ. وَمِنْ الْمَبَاحِثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ إذَا قُلْت: يَا زَيْدُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فَصَلِّ، هَلْ هُوَ مَأْمُورٌ الْآنَ أَوْ لَا يَكُونُ مَأْمُورًا إلَّا وَقْتَ الزَّوَالِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّا نَخْتَارُ عَدَمَ التَّعَلُّقِ لِأَنَّ التَّعَلُّقَ بِحَسْبِهِ فَالتَّعَلُّقُ إنَّمَا هُوَ بِفِعْلِهِ وَقْتَ الزَّوَالِ وَبِالْقَائِمِينَ وَقْتَ الْقِيَامِ فَهُمْ بِهَذَا الْقَيْدِ مُتَعَلَّقُ الْأَمْرِ وَهُمْ بِدُونِ الْقَيْدِ لَيْسُوا مُتَعَلَّقَ الْأَمْرِ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّا نَخْتَارُ فِي قَوْلِهِ إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنَّ الْإِيقَاعَ الْآنَ وَالْوُقُوعَ عِنْدَ الطُّلُوعِ لِأَنَّا لَا نَعْنِي بِالْإِيقَاعِ إلَّا إيقَاعَ مَا يَقَعُ عِنْدَ الطُّلُوعِ. فَافْهَمْ هَذَا فَإِنَّهُ مِنْ نَفَائِسِ الْمَبَاحِثِ وَلَمْ أَجِدْهُ مَنْقُولًا لَكِنْ حَرَّكَنِي لَهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ " إنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّ مَنْ قَامَ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>