للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَاعِثِ الدُّنْيَوِيِّ لِذَاتِهِ بَلْ لِعَدَمِ النِّيَّةِ الصَّحِيحَةِ فَيَتَجَرَّدُ الْعَمَلُ عَنْ النِّيَّةِ فَيَكُونُ بَاطِلًا وَيَصِيرُ الْعَامِلُ بِهِ بِلَا نِيَّةٍ كَالْمُسْتَخِفِّ بِعِبَادَةِ اللَّهِ مَمْقُوتًا لِتَلْبِيسِهِ وَتَزْوِيرِهِ.

وَإِذَا كَانَ مَنْ يَقُولُ مَا لَا يَفْعَلُ مَمْقُوتًا فَمَنْ يُصَوِّرُ نَفْسَهُ فِي صُورَةِ مَنْ يَفْعَلُ بِلَا فِعْلٍ أَشَدُّ مَقْتًا فَمِنْ هُنَا حُرِّمَ الرِّيَاءُ وَإِلَّا فَالرِّيَاءُ قَدْ يَكُونُ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَلَا يَكُونُ حَرَامًا وَقَدْ يَكُونُ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ لِأَغْرَاضٍ صَحِيحَةٍ مَعَ النِّيَّةِ الصَّحِيحَةِ فَيَكُونُ جَائِزًا بَلْ مَطْلُوبًا كَإِظْهَارِ صَدَقَةِ الْفَرْضِ وَإِرَاءَةِ الْمُشْرِكِينَ الْقُوَّةَ بِالرَّمَلِ وَالتَّبَخْتُرِ بِالْحَرْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَالْعَمَلُ الَّذِي لَمْ يُرَدْ بِهِ إلَّا الرِّيَاءُ حَرَامٌ لِمَا قُلْنَاهُ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي قُلْنَاهَا وَالْعَمَلُ الَّذِي خَالَطَهُ الرِّيَاءُ نَاقِصٌ وَالتَّوَسُّلُ بِهِ كَالتَّوَسُّلِ بِالْحَرَامِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ التَّوَسُّلُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ إلَى أَمْرٍ دِينِيٍّ إنْ تُخُيِّلَ ذَلِكَ.

وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخَمْرَ حَرَامٌ فِي نَفْسِهَا وَالرِّيَاءُ تَحْرِيمُهُ لِمَا سَبَقَ فَفِي حَالَةِ الْمُخَالَطَةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ تَحْرِيمُهُ وَيَصِيرُ مِمَّا تُخَالِطُهُ الْعِبَادَةُ مِنْ الْأُمُورِ النَّاقِصَةِ الَّتِي لَيْسَتْ حَرَامًا وَقَدْ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى صِحَّةِ وُضُوءِ مَنْ قَصَدَ رَفْعَ الْحَدَثِ وَالتَّبَرُّدَ مَعَهُ وَقَصْدُ التَّبَرُّدِ مِنْ الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ لَيْسَ عِبَادَةً وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ نِيَّةُ التَّبَرُّدِ أَقْوَى مِنْ نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَكَذَلِكَ قَصْدُ الرِّيَاءِ مَعَ قَصْدِ الْعِبَادَةِ وَإِنْ كَانَ قَصْدُ الرِّيَاءِ مَذْمُومًا وَقَصْدُ التَّبَرُّدِ لَيْسَ مَذْمُومًا وَلَكِنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي عَدَمِ الْعِبَادَةِ وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ مُضَادَّةُ النِّيَّةِ الصَّحِيحَةِ.

وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَا الْكَلَامُ مَسَائِلَ كُنَّا قَصَدْنَا إفْرَادَ كُلِّ مَسْأَلَةٍ ثُمَّ انْجَرَّ تَرْتِيبُ الْكَلَامِ إلَى ذِكْرِهِ هَكَذَا، وَمِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ فِيهِ قَوْلُ السَّائِلِ إذَا كَانَ هَذَا الْفِعْلُ حَرَامًا وَلَكِنَّ مَنْ عَادَتُهُ كَذَا فَهَلْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ، وَأُحَاشِي السَّائِلَ مِنْ هَذَا السُّؤَالِ فَإِنَّهُ مَتَى سَلَّمَ التَّحْرِيمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَيَصِيرُ كَمَنْ تَخَيَّلَ أَنْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ لِيَقْوَى عَلَى الْعِبَادَةِ فَهَذَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ. وَالْفَرْقُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ ذَاتَ الرِّيَاءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُنْقَسِمَةٌ وَالتَّحْرِيمُ عَارِضٌ لَهَا كَمَا يَعْرِضُ لِلْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ فَحَيْثُ نُجَوِّزُ الْإِقْدَامَ مَعَهُ لَا نَقُولُ إنَّهُ حَرَامٌ لَكِنَّهُ يُنْقِصُ الْعِبَادَةَ عَنْ دَرَجَةِ الْكَمَالِ.

وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ لَمْ يَقُولُوا بِالتَّحْرِيمِ وَإِنَّمَا حَكَمُوا فِي الثَّوَابِ وَعَدَمِهِ وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ مَا لَمْ يَتَجَرَّدْ الرِّيَاءُ، وَلَكِنْ مَعَ الصِّحَّةِ قَدْ يَحْصُلُ الثَّوَابُ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ وَأَنَا أَقُولُ: إنَّهُ يَصِحُّ وَيُثَابُ مَا لَمْ يَتَجَرَّدْ قَصْدُ الرِّيَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْكَافِي السُّبْكِيُّ.

(مَسْأَلَةٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ تَقْدِيمًا يَوْمَ عَرَفَةَ لِلْحَاجِّ، وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ تَأْخِيرًا لَهُمْ بِمُزْدَلِفَةَ قَالَ بِهِ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي السَّفَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>