للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الزِّبْرِقَانِ قَالَ: قُلْت لِشَقِيقٍ إنَّ الْحَجَّاجَ يُمِيتُ الْجُمُعَةَ قَالَ: تَكْتُمْ عَلَيَّ قُلْت: نَعَمْ قَالَ: صَلِّهَا فِي بَيْتِك لِوَقْتِهَا وَلَا تَتْرُكْ الْجَمَاعَةَ.

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَقِيقٌ لَا مَأْخَذَ لَهُ إلَّا مَا ذَكَرْتُهُ فَإِنَّ الْحَجَّاجَ كَانَ يُؤَخِّرُ الْجُمُعَةَ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ فَاَلَّذِي تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا ظَاهِرًا لِخَوْفِهِ مِنْهُ يُصَلِّيهَا فِي بَيْتِهِ وَلَوْ وَحْدَهُ لِيَكُونَ قَدْ أَدَّى بَعْضَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَالْمَيْسُورُ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ، وَمَسْأَلَتُنَا هَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ وَعَطَاءٌ لَعَلَّهُ يَقُولُ: إنَّهَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَهِيَ مَحَلُّ نَظَرٍ.

وَهَذَا كُلُّهُ أَيْضًا إنَّمَا يَأْتِي إنْ كَانَ أَحَدٌ يَشْرِطُ الْمَسْجِدَ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ عِنْدَ السَّعَةِ وَعِنْدَ الضِّيقِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا صَرَّحَ بِذَلِكَ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَتَى عَلَى رِجَالٍ جُلُوسٍ فِي الرَّحْبَةِ فَقَالَ: اُدْخُلُوا الْمَسْجِدَ فَإِنَّهُ لَا جُمُعَةَ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ السَّعَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ اُدْخُلُوا الْمَسْجِدَ.

أَمَّا حَالَةُ الضِّيقِ فَلَا وَكَيْفَ يُقَالُ ذَلِكَ وَمَسْجِدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ بَنَاهُ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ وَهَذَا الْمِقْدَارُ لَا يَسَعُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ نَفْسٍ يُصَلُّونَ وَكَانَتْ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - أَضْعَافَ ذَلِكَ وَلِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ لَا جُمُعَةَ لِمَنْ صَلَّى فِي الرَّحْبَةِ إلَّا أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى الدُّخُولِ.

(فَصْلٌ) ثُمَّ انْقَرَضَ عَصْرُ التَّابِعِينَ وَلَمْ يَحْصُلْ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى تَعَدُّدُ جُمُعَةٍ وَلَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ وَبُنِيَتْ بَغْدَادُ وَحَدَثَ فِيهَا جَوَامِعُ أَوَّلًا جَامِعُ الْمَنْصُورِ ثُمَّ جَامِعُ الْمَهْدِيِّ ثُمَّ غَيْرُهُمَا، وَكَانَتْ بَلْدَةً عَظِيمَةً فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا جُمُعَةٌ وَاحِدَةٌ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَأَى بَغْدَادَ وَبَيْنَ جَامِعِيهَا نَهْرٌ فَرَأَى جَوَازَ جُمُعَتَيْنِ إمَّا لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ بَلَدَيْنِ فَالْجَانِبُ الشَّرْقِيُّ بَلَدٌ وَالْجَانِبُ الْغَرْبِيُّ بَلَدٌ وَهَذَا لَيْسَ بِبَعِيدٍ وَلِهَذَا مَا كَانَ يُوضَعُ الْجِسْرُ الَّذِي عَلَى النَّهْرِ وَقْتَ الْجُمُعَةِ وَعَلَى هَذَا لَمْ يَقُلْ بِتَعَدُّدِ الْجُمُعَةِ فِي الْبَلَدِ الْوَاحِدِ وَإِمَّا لِأَنَّ حَيْلُولَةَ النَّهْرِ فِي الْبَلَدِ الْوَاحِدِ الْمُحْوِجِ إلَى السِّبَاحَةِ يَشُقُّ مَعَهُ حُضُورُ الْجُمُعَةِ مَعَ أَنَّ كُلَّ جَانِبٍ تُقَامُ فِيهِ الْحُدُودُ فَأَشْبَهَ الْجَانِبَانِ الْبَلَدَيْنِ وَإِنْ كَانَا بَلَدًا وَاحِدًا، وَالْمَنْقُولُ عَنْهُ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ لَا يَقُولُ هَذَا فِي غَيْرِ بَغْدَادَ كَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ غَيْرَهَا لَا يُشَارِكُهَا فِي هَذَا الْمَعْنَى فَلَوْ وَجَدْنَا مَا يُشَارِكُهَا بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ وَرَأْيُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ يُرِيدُونَ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ مِنْ الشَّرْطِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ أَنَّ مَذْهَبَهُ هَذَا عِنْدَ الْحَاجَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ فَيَتَقَيَّدُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى إجَازَةِ تَعَدُّدِهَا مُطْلَقًا فِي كُلِّ الْمَسَاجِدِ فَتَصِيرُ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَتَّى لَا يَبْقَى لِلْجُمُعَةِ خُصُوصِيَّةٌ.

فَإِنَّ هَذَا مَعْلُومٌ بُطْلَانُهُ بِالضَّرُورَةِ لِاسْتِمْرَارِ عَمَلِ النَّاسِ عَلَيْهِ مِنْ زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْيَوْمَ، وَدَخَلَ الشَّافِعِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>