للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاخْتِبَارِ وَأَصْلُ الْفِتْنَةِ الِاخْتِبَارُ؛ وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ فِي قَوْلِهِ {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ} [البقرة: ١٠٢]

[قَوْله تَعَالَى فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ]

(آيَةٌ أُخْرَى)

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْله تَعَالَى {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: ١٤٤] قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَشَطْرُهُ جِهَتُهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إذَا قُلْت اقْصِدْ شَطْرَ كَذَا أَنَّك تَقُولُ اقْصِدْ مَعْرُوفَ عَيْنِ كَذَا وَمَعْنَى اقْصِدْ نَفْسَ كَذَا كَذَلِكَ أَيْ تِلْقَاءَهُ وَجِهَتَهُ أَيْ اسْتَقْبِلْ تِلْقَاءَهُ وَجِهَتَهُ، وَأَنَّ كُلًّا مَعْنًى وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَتْ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ هَكَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ.

وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ، شَطْرُ الشَّيْءِ نِصْفُهُ، وَيُقَالُ وَلَدُ فُلَانٍ شَطْرُهُ بِالْكَسْرِ، أَيْ نِصْفٌ ذُكُورٌ، وَنِصْفٌ إنَاثٌ، وَقَصَدْت شَطْرَهُ أَيْ نَحْوَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٤] انْتَهَى.

[قَوْله تَعَالَى يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ]

(آيَةٌ أُخْرَى)

وَقَالَ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَكَلَّمَ صَاحِبُ دُرَّةِ التَّنْزِيلِ عَلَى قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَةِ {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [البقرة: ٦١] وَفِي آلِ عِمْرَانَ {النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران: ٢١] وَفِي وَسَطِهَا {الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران: ١١٢] مِنْ جِهَةِ تَعْرِيفِ الْحَقِّ وَتَنْكِيرِهِ كَلَامًا حَسَنًا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ مِنْ جِهَةِ جَمْعِ الْقِلَّةِ وَجَمْعِ الْكَثْرَةِ فِي الْأَنْبِيَاءِ، وَظَهَرَ لِي فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْآيَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ آلِ عِمْرَانَ الْمُرَادُ الِاعْتِقَادُ وَالِاعْتِقَادُ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ أَتَى فِيهِ بِجَمْعِ الْكَثْرَةِ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُهُ فِي آخِرِ آلِ عِمْرَانَ {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران: ١٨١] لِأَنَّهَا فِي قَوْمٍ مَوْجُودِينَ لَمْ يَقْتُلُوا، وَإِنَّمَا اعْتَقَدُوا بِخِلَافِ آيَةِ الْبَقَرَةِ وَالْآيَةُ الْأُولَى مِنْ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهَا فِي قَوْمٍ قَتَلُوا وَإِنَّمَا قَتَلُوا بَعْضَ الْأَنْبِيَاءِ فَأَتَى فِيهَا بِجَمْعِ السَّلَامَةِ الَّذِي هُوَ الْقِلَّةُ مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ فِي عَدَدِ الْمَقْتُولِينَ أَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ الْعَشَرَةِ انْتَهَى.

[قَوْله تَعَالَى فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ]

(آيَةٌ أُخْرَى)

قَوْله تَعَالَى {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا شَكَّ أَنَّ الْحِلَّ مُنْتَفٍ مِنْ حِينِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ حَتَّى تُنْكَحَ وَلَكِنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لَوْ جَاءَتْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ كَقَوْلِك، لَا يَقُومُ زَيْدٌ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ مُحْتَمِلَةٌ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقِيَامَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ مُنْتَفٍ وَقَدْ لَا يَنْتَفِي قِيَامٌ دُونَهُ وَمَأْخَذُ هَذَا أَنَّ " حَتَّى " مُتَعَلِّقَةٌ بِالْفِعْلِ قَبْلَ دُخُولِ النَّفْيِ ثُمَّ وَرَدَ النَّفْيُ عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ صِنَاعَةُ الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فِي تَعْلِيقِهِمْ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ الصَّرِيحِ وَالثَّانِي أَنَّ النَّفْيَ فِي جَمِيعِ الزَّمَانِ الْمُتَّصِلِ بِالْكَلَامِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ وَمَأْخَذُ هَذَا إمَّا أَنْ يُؤْخَذَ فِعْلٌ مِنْ مَعْنَى النَّفْيِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ " لَا " كَمَا يَفْعَلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>