للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَفْرِضُوا) مَجْزُومًا.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْحَاجِبِ: اُخْتُلِفَ فِي " أَوْ " هَذِهِ فَقِيلَ: إنَّهَا الَّتِي بِمَعْنَى " إلَّا أَنْ " أَوْ " إلَى أَنْ " فَيَكُونُ (تَفْرِضُوا) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإِضْمَارِ " أَنْ " أَوْ بِأَوْ عَلَى رَأْيٍ وَقِيلَ إنَّ " أَوْ " عَاطِفَةٌ عَلَى (تَمَسُّوهُنَّ) وَإِنَّمَا خَالَفَ الْأَقَلُّونَ الظَّاهِرَ فِي " أَوْ " لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنَّهَا إذَا جُعِلَتْ بِمَعْنَى " أَوْ " كَانَ الْمَعْنَى " لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمُهُورِ النِّسَاءِ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ إذَا انْتَفَى أَحَدُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، وَإِذَا اسْتَلْزَمَتْ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَقِمْ لِأَنَّهُ يَنْتَفِي أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ الْفَرْضُ، فَيَجِبُ صَدَاقُ الْمِثْلِ بِالْمَسِيسِ أَوْ بِنَفْيِ الْمَسِيسِ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ فَيَلْزَمُ نِصْفُ مَا فَرَضَ، فَلَا يَصِحُّ نَفْيُ الْجُنَاحِ عِنْدَ انْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا. وَالثَّانِي أَنَّ الْمُطَلَّقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ لَهُنَّ قَدْ ذُكِرْت ثَانِيًا وَتُرِكَ ذِكْرُ الْمَمْسُوسَاتِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَفْهُومِ؛ فَلَوْ كَانَتْ الْعَاطِفَةُ لَكَانَ الْمَفْرُوضَاتُ فِي الذُّكُورِ كَالْمَمْسُوسَاتِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَإِذَا جُعِلَتْ " أَوْ " بِمَعْنَى " إلَّا أَنْ " خَرَجَتْ عَنْ مُشَارَكَةِ الْمَمْسُوسَاتِ فَلَمْ يَلْزَمْ ظُهُورُ دُخُولِهِنَّ مَعَهُنَّ.

وَلِذَلِكَ لَمْ يَرَ مَالِكٌ لِلْمُطَلَّقَاتِ الْمَفْرُوضَ لَهُنَّ قَبْلَ الْمَسِيسِ مُتْعَةً. لِأَنَّهُ يَرُدُّ دُخُولَهُنَّ فِي الْآيَةِ لِمَا ذَكَرْت ثَانِيًا وَجَعَلَ الْمُتْعَةَ لِلْمَمْسُوسَاتِ خَاصَّةً أَوْ لِغَيْرِ الْمَمْسُوسَاتِ وَلِغَيْرِ الْمَفْرُوضِ لَهُنَّ.

قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ عَنْ الْأَوَّلِ: لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: مَا انْتَفَى أَحَدُهُمَا بَلْ الْمَعْنَى مَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا، وَفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ انْتَفَى أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ وَقَوْلُهُ مَا كَانَ وَاحِدٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ؛ فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَا يَنْفِي إلَّا أَحَدَهُمَا لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ لَيْسَ فِي صَرِيحِ سِيَاقِ النَّفْيِ، وَالثَّانِي يَنْفِيهِمَا جَمِيعًا لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ فِي صَرِيحِ سِيَاقِ النَّفْيِ، فَإِذَنْ لَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ أَنْ تَكُونَ " أَوْ " بِمَعْنَى " إلَى أَنْ " وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْعَاطِفَةَ.

وَكَانَ حَمْلُهَا عَلَى الْعَاطِفَةِ أَوْلَى لِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُشَارَكَتِهِمْ الْمَمْسُوسَاتِ فِيمَا ذَكَرَ مُشَارَكَتُهُنَّ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ. هَذَا مَعَ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ ثَانِيًا مَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَائِهِمْ الْمُشَارَكَةَ: انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ. وَهُوَ فِي غَايَةِ السَّدَادِ فَرَحِمَهُ اللَّهُ مَا أَصَحَّ ذِهْنَهُ، وَقَدْ أَشَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ نَفْي أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَقَوْلُنَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ فَهُوَ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ. وَقَدْ تَحَرَّرَ أَنَّ {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا} [البقرة: ٢٣٦] مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرِ لَا جُنَاحَ وَأَنَّ " أَوْ " بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا بِمَعْنَى " إلَّا أَنْ " لَكِنَّهُ تَكَلُّفٌ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ الْمَعْنَى مَا لَمْ تَكُونُوا مَسَسْتُمْ أَوْ فَرَضْتُمْ، لِأَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ الْمُسَبِّبَ لِلْجُنَاحِ هُوَ الْوَاقِعُ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَجَازٍ إمَّا فِي " تَمَسُّوهُنَّ " بِمَعْنَى: تَكُونُوا قَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>