للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَوْنِ الْمُقِرِّ حَائِزًا لِمِيرَاثِ مَنْ أُلْحِقَ النَّسَبُ بِهِ مِنْ أَبٍ، أَوْ جَدٍّ، أَوْ غَيْرِهِمَا وَبِبَقِيَّةِ شُرُوطِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِهِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْأَخِ بِشُرُوطِهِ صَحِيحٌ أَيْضًا لَا يُنَافِي بَيْنَ الْإِقْرَارِ بِالْأَخِ وَالْإِقْرَارِ بِالْوَلَاءِ الْمَذْكُورَيْنِ إذَا ثَبَتَا، وَالتَّوْرِيثُ بِالنَّسَبِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى التَّوْرِيثِ بِالْوَلَاءِ فَلِذَلِكَ قُلْنَا يُوَرَّثُ الْأَخُ وَيُحْجَبُ بِهِ ابْنُ الْمَوْلَى.

وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ وَاسْتِلْحَاقَهُ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ وَفِي بَابِ اللَّقِيطِ وَفِي بَابِ دَعْوَةِ النَّسَبِ وَإِلْحَاقِ الْقَائِفِ وَفِي بَابِ دَعْوَى الْأَعَاجِمِ وَيُسَمُّونَ الْحَمْلَا وَالْحَمِيلَ هُوَ الَّذِي يَأْتِي مِنْ بِلَادِ الْكُفْرِ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَالْأَعَاجِمُ يُطْلِقُهُمْ الشَّافِعِيُّ عَلَى مَنْ كَانَ أَعْجَمِيَّ اللِّسَانِ أَوْ أَعْجَمِيَّ الدَّارِ سَوَاءً أَكَانَ فَارِسِيًّا أَوْ رُومِيًّا أَمْ تُرْكِيًّا وَالْإِقْرَارُ الْإِخْبَارُ بِحَقٍّ عَلَى الْمُخْبِرِ وَالْوَلَاءُ حَقٌّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ النِّعْمَةِ، وَالنَّسَبُ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ قَدْ يَكُونُ عَلَيْهِ لِقَبْضِ الْمِيرَاثِ وَنَحْوِهِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ إلَّا مُجَرَّدَ الِاسْتِلْحَاقِ فَيَثْبُتُ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الشَّخْصِ بَلْ لَهُ وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هُوَ لَك يَا عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ» ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِذَلِكَ بِلَا إشْكَالٍ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَا حَمِيلَيْنِ أَمْ لَا، خِلَافًا لِمَالِكٍ حَيْثُ قَالَ بِعَدَمِ تَوْرِيثِ الْحَمْلَا لَكِنْ لَا بُدَّ فِيهِمْ وَفِي غَيْرِهِمْ مِنْ كَوْنِ الْمُقِرِّ حَائِزًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِيهِمْ وَفِي غَيْرِهِمْ.

وَالشَّرْعُ مُتَشَوِّفٌ إلَى إثْبَاتِ الْأَنْسَابِ وَذَلِكَ لِمَا فِيهَا مِنْ التَّعَاوُنِ وَالتَّعَارُفِ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ عِمَارَةُ الدُّنْيَا وَعِبَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ، وَفِي الشَّامِلِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ الْوَلَاءَ أَقْوَى مِنْ النَّسَبِ، وَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ بِالنَّسَبِ مُقَدَّمًا عَلَى الْمِيرَاثِ بِالْوَلَاءِ، وَإِذَا عُرِفَ فَلَا يُكَلَّفُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِإِثْبَاتِ نَسَبٍ وَلَا وَلَاءَ بِالْبَيِّنَةِ بَلْ يَكْفِي ثُبُوتُ الْإِقْرَارَيْنِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا ثُبُوتُ الْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ جَمِيعًا وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا مُقْتَضَاهُمَا فِيمَا لَا تَعَارُضَ فِيهِ، أَمَّا مَا يَتَعَارَضَانِ فِيهِ فَهُوَ الْمِيرَاثُ فَيُعْمَلُ بِأَسْبَقِهِمَا وَلَا يَكُونُ كَإِقْرَارَيْنِ عَلَيْهِ وَلَا بِأَخٍ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ بِالْأَخِ لَمْ يَكُنْ فِي الظَّاهِرِ عَلَيْهِ وَلَاءٌ فَلَا وَجْهَ لَهُ وَإِقْرَارُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْطُلْ بِهِ وَلَاءٌ كَغَيْرِهِ وَإِقْرَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْوَلَاءِ الَّذِي هُوَ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يُعَارِضُ الْأَوَّلَ مُبْطِلٌ لَهُ فَلَا يَنْجَعُ كَعَكْسِهِ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ إذَا أَقَرَّ بِنَسَبِ أَخٍ لَمْ يُقْبَلْ وَأَمَّا أَنَّهُمَا يَتَدَافَعَانِ يَتَضَمَّنُ كُلٌّ مِنْهُمَا دَفْعَ الْآخَرِ فَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّدَافُعَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ، وَهُنَا أَحَدُهُمَا رَاجِحٌ بِالسَّبْقِ، وَكُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ مِنْهُ عِنْدَ إقْرَارِهِ، وَهَذَا عِنْدَ إقْرَارِهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ مُعَارِضٌ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَاَلَّذِي يَجِبُ الِاحْتِرَازُ فِيهِ الْفَحْصُ عَنْ الْمَكْتُوبِ الْأَوَّلِ الَّذِي ظَهَرَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْأَوَّلِ بِالْوَلَاءِ فَنَكْشِفُ عَنْ ذَلِكَ كَشْفًا شَافِيًا بِحَيْثُ تَنْتَفِي الرِّيبَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>