للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَارَةً يَكُونُ الْحُكْمُ مُخْتَلَفًا فِيهِ وَلَكِنَّ مَذْهَبَ الْقَاضِي بِخِلَافِهِ وَقَدْ تَرَكَهُ الْقَاضِي لَا لِلَّهِ بَلْ لِلْكَبِيرِ، وَهَذَا حَرَامٌ، وَتَارَةً يَكُونُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَيَكُونُ تَرْكُهُ لِمَا قُلْنَا وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ تَرْكُهُ غَيْرُ مُسْتَحِلٍّ فَهَذَا أَشَدُّ تَحْرِيمًا وَلَا يَكْفُرُ، وَتَارَةً مَعَ ذَلِكَ يَسْتَحِلُّ فَيَكْفُرُ. وَالتَّحْرِيمُ فِي الْمَرَاتِبِ الْأَرْبَعِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَحِلُّهُ إذَا كَانَ الْقَاضِي مُتَمَكِّنًا أَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ ظَالِمٌ يَمْنَعُ مِنْ الْحُكْمِ بِحَيْثُ يَصِلُ الْأَمْرُ إلَى حَدِّ الْإِكْرَاهِ فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ التَّحْرِيمُ، وَأَمَّا الْمَرْتَبَةُ الْخَامِسَةُ وَهِيَ الِاسْتِحْلَالُ فَإِنَّهُ أَمْرٌ قَلْبِيٌّ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِكْرَاهُ عَلَيْهِ فَلَا يَرْتَفِعُ حُكْمُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمِنْ كَلَامِهِ عَلَى الْآيَةِ كَتَبْنَاهُ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ قَوْله تَعَالَى {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا} [الأنعام: ١٣٦] قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا شَكَّ أَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا لِلَّهِ تَعَالَى فَقَوْلُهُ " بِزَعْمِهِمْ " إمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ مِنْ التَّقْسِيمِ، وَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: هَذَا لِلَّهِ وَحْدَهُ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا؛ فَلَمَّا أَشْعَرَ صَدْرُ كَلَامِهِمْ بِالْقِسْمَةِ الْبَاطِلَةِ أَرْدَفَ الصَّدْرَ بِقَوْلِهِ " بِزَعْمِهِمْ " أَوْ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا الَّذِي لِلَّهِ هُوَ الْأَرْدَأُ، فَلَوْ خَطَرَ فِي قُلُوبِهِمْ هَذَا ذَلِكَ مَعَ الْوَصْفِ الرَّدِيءِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ جَعْلِهِمْ وَقَوْلِهِمْ.

وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَنْ يَقُولُ: الصِّفَةُ إذَا تَوَسَّطَتْ تَعَلَّقَتْ بِالْجَمِيعِ لِأَنَّ " بِزَعْمِهِمْ " حُكْمُهُ حُكْمُ الصِّفَةِ؛ وَقَدْ تَوَسَّطَ بَيْنَ قَوْلِهِمْ (هَذَا لِلَّهِ) وَقَوْلِهِمْ (هَذَا لِشُرَكَائِنَا) وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالصَّوَابُ اخْتِصَاصُ الصِّفَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ بِمَا قَبْلَهَا وَكَذَا مَفْهُومُ اللَّقَبِ ضَعِيفٌ. وَإِنَّمَا سَبَبُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ التَّقْسِيمِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: ظَنُّوا أَنَّهُ إنَّمَا صَارَ لِلَّهِ بِقَوْلِهِمْ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ " بِزَعْمِهِمْ " وَهُوَ لِلَّهِ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ قَوْلِهِمْ. فَقَوْلُهُمْ لَمْ يَفْدِ شَيْئًا إلَّا وَبَالًا عَلَيْهِمْ وَتَقْسِيمًا بَاطِلًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ " بِزَعْمِهِمْ " لَمْ يُتَوَسَّطْ بَيْنَ كَلَامِهِمْ مِنْ لَفْظِهِمْ حَتَّى يَكُونَ كَالصِّفَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ بَيْنَ كَلَامِ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ، لِأَنَّ " بِزَعْمِهِمْ " لَيْسَ مِنْ كَلَامِهِمْ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ (فَقَالُوا) مُتَوَسِّطًا بَيْنَ جُزْأَيْ مَفْعُولِ " قَالُوا " اللَّذَيْنِ هُمَا " هَذَا لِلَّهِ " وَ " هَذَا لِشُرَكَائِنَا " فَيَكُونُ نَظِيرَ قَوْلِك: قَالَ زَيْدٌ هَذَا الدِّرْهَمُ لِي بِزَعْمِهِ وَهَذَا لِشَرِيكِي وَيَكُونُ زَيْدٌ كَاذِبًا فِي قَوْلِهِ: هَذَا لِشَرِيكِي وَصَادِقًا فِي الْآخَرِ، فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُهُ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ جُزْأَيْ مَعْمُولِهِ، فَلَيْسَ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهَا. وَإِنَّمَا هِيَ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى، وَالْجَارُ وَالْمَجْرُورُ فِيهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ، فَيَتَّجِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُولُ بِهِ كُلُّهُ مُتَعَلِّقًا بِهِ وَيَكُونُ لِتَوَسُّطِهِ مَعْنًى لِأَجْلِهِ لَمْ يَتَقَدَّمْ وَلَمْ يَتَأَخَّرْ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَعْنَى الْآيَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>