للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَظَهَرَ أَنَّهُ يُتَّجَهُ سَوَاءٌ اشْتَرَطْنَا الْقَبُولَ أَمْ لَا، وَلَا يُنَافِي تَصْحِيحُهُ فِي الْمِنْهَاجِ اشْتِرَاطَ الْقَبُولِ عَلَى أَنَّا نَحْنُ نَقُولُ إنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْقَبُولَ لَا يُشْتَرَطُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَخَرَجَ لَنَا مِنْ هَذَا صُوَرٌ يَتَضَمَّنُهَا انْقِطَاعُ الْمَصْرِفِ الْأَوَّلِ: (إحْدَاهَا) أَنْ لَا يَذْكُرَ لَهُ الْآنَ مَصْرِفًا كَقَوْلِهِ: عَلَى مَنْ سَيُولَدُ لِي. وَعِلَّةُ الْبُطْلَانِ فِيهِ كَوْنُهُ وَقَفَهُ الْآنَ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ الْآنَ سَبِيلًا، وَهُوَ أَشَدُّ فَسَادًا مِمَّا إذَا سَكَتَ عَنْ السَّبِيلِ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ لَا يُنَافِي الْمَصْرِفَ إلَى جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْبِرِّ، وَهُنَا مُقْتَضَى شَرْطُهُ أَنَّهُ لَا يُصْرَفُ إلَّا لِمَنْ سَيُولَدُ، فَهُوَ الْآنَ مُعَطَّلٌ يُشَبَّهُ بِالسَّائِبَةِ.

(الثَّانِيَةُ) أَنْ يَذْكُرَ مَصْرُوفًا مَجْهُولًا، أَوْ مُعَيَّنًا لَا نَفْسَ الْمِلْكِ، وَعِلَّةُ الْبُطْلَانِ أَنَّ الْمَصْرِفَ الْمَذْكُورَ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَمُقْتَضَى شَرْطِهِ أَنَّهُ لَا يُصْرَفُ فِي الْحَالِ إلَّا إلَيْهِ فَقَدْ تَعَطَّلَ الْمَصْرِفُ الصَّحِيحُ فِيهِ بِشَرْطِهِ فَأَشْبَهَ السَّائِبَةَ، وَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ طَرِيقَانِ إحْدَاهُمَا الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ وَالثَّانِيَةُ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا الْبُطْلَانُ.

(الثَّالِثَةُ) أَنْ يَقِفَ عَلَى وَلَدَيْهِ فِي زَمَنِ مَوْتِهِ، فَإِنْ قُلْنَا: الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ بَاطِلَةٌ، فَهِيَ كَالصُّورَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ، وَإِنْ قُلْنَا: صَحِيحَةٌ وَرَدَتْ، وَقُلْنَا: الْإِجَازَةُ ابْتِدَاءً عَطِيَّةٌ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا: تَنْفِيذٌ فَقِيلَ كَالصُّورَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ وَقِيلَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ فَيَجِيءُ فِيهَا ثَلَاثَةُ طُرُقٍ وَالْأَصَحُّ مِنْهَا أَنَّهَا عَلَى قَوْلَيْنِ وَالْأَصَحُّ الْبُطْلَانُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْوَصِيَّةِ.

(الرَّابِعَةُ) أَنْ يَقِفَ عَلَى مَنْ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَيَشْتَرِطَ الْقَبُولَ فَلَا يَقْبَلُ، أَوْ يَرُدَّ فَقَوْلَانِ، وَأَوْلَى بِالصِّحَّةِ فِيمَنْ بَعْدَهُ وِفَاقًا لِمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَخِلَافًا لِمَا ارْتَضَاهُ هُوَ.

(الْخَامِسَةُ) كَذَلِكَ، وَلَا يَشْتَرِطُ الْقَبُولَ وَقُلْنَا: الرَّدُّ يُبْطِلُهَا مِنْ أَصْلِهَا فَكَذَلِكَ.

(السَّادِسَةُ) الصُّورَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَقُلْنَا: الرَّدُّ فَسْخٌ، وَقُلْنَا: بِالصِّحَّةِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) قَالَ الْبُوَيْطِيُّ فِي بَابِ الْأَحْبَاسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَإِذَا قَالَ: دَارِي حَبْسٌ عَلَى وَلَدِي ثُمَّ مَرْجِعُهَا إلَيَّ إذَا انْقَرَضُوا فَالْحَبْسُ بَاطِلٌ، وَقِيلَ: الْحَبْسُ جَائِزٌ، وَيَرْجِعُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ لِلْمُحْبِسِ، وَالْحُجَّةُ فِيهِ حَدِيثُ الْعُمْرَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَهَا لِمَنْ أَعْمَرَهَا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ وَزَالَ مِلْكُ الْمُعَمِّرِ وَأَبْطَلَ شَرْطَهُ فَكَذَلِكَ يَبْطُلُ شَرْطُهُ فِي الْحَبْسِ وَيَجْعَلُهَا لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ حَبْسًا كَمَا جَعَلَ أَصْلَهَا كَمَا كَانَتْ الْعُمْرَى عَلَى مَا جُعِلَ عَلَيْهِ أَصْلُهَا.

فَإِنْ قِيلَ قَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعُمْرَى لِمَنْ جُعِلَتْ لَهُ فَلِمَ لَمْ يُجْعَلْ الْحَبْسُ لِوَرَثَةِ مَنْ حُبِسَ عَلَيْهِ؟ قِيلَ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَى مِلْكُ أَصْلِهَا فَوَرَثَتُهَا وَرَثَتُهُ، وَهَذَا إنَّمَا مَلَكَ سَكَنَهَا، وَلَمْ يَمْلِكْ أَصْلَهَا انْتَهَى.

وَهَذَا إذَا أُخْرِجَ مَخْرَجَ الشَّرْطِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ آخِرُ كَلَامِهِ صَحِيحٌ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ كَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>