للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَائِدَةٌ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ مَتَى إذَا قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ طَلَّقْتُك لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهَا جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ وَشَرْطُ الْقَوْلِ بِذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ نَظْمُهَا هَكَذَا مِنْ تَقَدُّمِ الشَّرْطِ وَتَأَخُّرِ الْجَزَاءِ، فَلَوْ قَالَ طَلَّقْتُك إنْ دَخَلْت الدَّارَ كَانَ مَعْنَاهُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالدُّخُولِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

طَلَّقْت إنْ لَمْ تَسْأَلِي ... : أَيُّ فَارِسٍ حَلِيلُك

وَيَدُلُّ لَهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} [الأحزاب: ٥٠] {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} [الأحزاب: ٥٠] وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ عُرْفًا وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قُدِّمَ الشَّرْطُ عُلِمَ أَنَّ مَا يَأْتِي بَعْدَهُ مُسْتَقْبَلٌ، فَإِذَا جَاءَ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ خَبَرٌ، وَإِذَا قُدِّمَ الْفِعْلُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْإِنْشَاءِ حُمِلَ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَتَى الشَّرْطُ بَعْدَهُ جَعَلْنَاهُ شَرْطًا فِي تَمَامِهِ وَوُقُوعِ أَثَرِهِ لَا فِي أَصْلِهِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَى هَذَا أَنَّهُ الْمُقَدَّرُ مُتَقَدِّمًا مِنْ جِهَةِ الصِّنَاعَةِ؛ لِأَنَّ طَلَّقْت صَارَ لَهُ جِهَتَانِ إحْدَاهُمَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ، وَهُوَ إنْشَاؤُهُ لِلطَّلَاقِ، وَالثَّانِيَةُ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا فَالْجِهَةُ الْأُولَى لَا تَعْلِيقَ فِيهَا، وَالثَّانِيَةُ هِيَ مَحَلُّ التَّعْلِيقِ، فَإِذَا تَقَدَّمَ الشَّرْطُ وَتَأَخَّرَ بِجِهَتِهِ جَمِيعًا صُورَةً وَحُكْمًا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ؛ لِأَنَّ الْجِهَةَ الثَّانِيَةَ تَابِعَةٌ لِلْجِهَةِ الْأُولَى، وَالْجِهَةَ الْأُولَى تَابِعَةٌ لِلشَّرْطِ فَلَا يَصِحُّ، وَإِذَا تَأَخَّرَ الشَّرْطُ كَانَ مُقَيَّدًا لِمَا أَمْكَنَ تَقْيِيدُهُ، وَاَلَّذِي يُمْكِنُ تَقْيِيدُهُ مِنْ الْجِهَتَيْنِ هِيَ الثَّانِيَةُ فَيَخْتَصُّ بِهَا وَتَكُونُ هِيَ وَحْدَهَا دَلِيلَ الْجَزَاءِ، وَتَبْقَى الْأُولَى عَلَى إطْلَاقِهَا؛ وَاللَّفْظُ إذَا كَانَ لَهُ جِهَتَانِ فِي قُوَّةِ لَفْظَيْنِ فَيُعَامَلُ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا يُنَاسِبُهُ.

وَيَنْشَأُ مِنْ هَذَا الْبَحْثِ بَحْثٌ آخَرُ فِي قَوْلِهِ " إنْ شِئْت بِعْتُك " وَأَنَّهُ بَاطِلٌ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ " بِعْتُك إنْ شِئْت "؛ لِأَنَّ مَأْخَذَ الصِّحَّةِ فِيهِ أَنَّ الْمُعَلَّقَ تَمَامُ الْبَيْعِ لَا أَصْلُهُ فَاَلَّذِي مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ، وَهُوَ إنْشَاءُ الْبَيْعِ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ، وَتَمَامُهُ، وَهُوَ الْقَبُولُ مَوْقُوفٌ عَلَى مَشِيئَةِ الْمُشْتَرِي، وَبِهِ تَكْمُلُ حَقِيقَةُ الْبَيْعِ، وَيَنْشَأُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا قَالَ: " إنْ شِئْت وَقَفْت هَذَا عَلَيْك " لَا يَصِحُّ.

وَإِنْ قَالَ: " وَقَفْتُهُ عَلَيْك إنْ شِئْت "، فَإِنْ قُلْنَا: قَبُولُ الْوَقْفِ فِي الْمُعَيَّنِ شَرْطٌ جَرَى فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَ بِشَرْطٍ احْتَمَلَ أَنْ يُقَالَ بِالْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ حِينَئِذٍ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ غَيْرُ الْإِنْشَاءِ، وَهُوَ لَا يُعَلَّقُ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يُقَالَ بِالصِّحَّةِ كَمَا تَقُولُ أَبَحْت لَك هَذَا إنْ شِئْت وَالْمَعْنَى إنْ شِئْت فَخُذْهُ،، وَفِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَنَحْوِهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَقَدَّمَ الشَّرْطُ، أَوْ يَتَأَخَّرَ الْكُلُّ مُعَلَّقٌ تَعْلِيقًا صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ الطَّلَاقُ لَا التَّطَلُّقُ، وَكَذَلِكَ إنْ مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَإِنْ مِتُّ فَهَذَا وَقْفٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَالْمَسْأَلَةُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ الْأُسْتَاذِ لَفْظُهَا " وَقَفْت عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>