للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِكَذَا ثُمَّ أُخْبِرُك بِكَذَا؟ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ مَوْقُوفَةٍ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: وَقَفْت هَذِهِ عَلَى الْفُقَهَاءِ ثُمَّ وَقَفْتهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ لَمْ يُصَادِفْ الْوَقْفُ الثَّانِي مَحَلًّا بَعْدَ نَفَاذِ الْأَوَّلِ؛ أَمَّا إذَا قَالَ: وَقَفْتهَا عَلَى الْفُقَهَاءِ ثُمَّ وَقَفْتهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ وَقَفَهَا عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ مُتَرَتِّبَتَيْنِ فِي الْمَصْرِفِ، وَيُوَضِّحُ لَك هَذَا أَنْ وَقَفْتهَا فِي مَعْنَى حَبَسْتهَا وَحَبَسْتهَا لَهُ مُطَاوِعٌ، وَهُوَ الِانْحِبَاسُ وَكَأَنَّهُ قَالَ جَعَلْتهَا مُنْحَبِسَةً عَلَى الْفُقَهَاءِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَالْجَارُ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِالِانْحِبَاسِ الَّذِي ذَكَرَ عَلَيْهِ الْحَبْسَ لَا بِنَفْسِ الْحَبْسِ، أَوْ يُقَالُ: إنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِتَمَامِ مَعْنَى الْحَبْسِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي الشَّرْطِ فِيمَا سَبَقَ، أَوْ يُقَالُ: إنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ كَائِنَةٌ عَلَى الْفُقَهَاءِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ.

فَهَذِهِ ثَلَاثُ تَقَادِيرَ فِي اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقَادِيرِ الْحَبْسُ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْفَاعِلِ لَيْسَ مَوْقُوفًا عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ مِنْ الْبُطُونِ الْمُتَأَخِّرَةِ، وَلَا مُعَلَّقًا عَلَيْهَا، وَأَمَّا الِانْحِبَاسُ فَإِمَّا أَنْ يُوجَدَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ فَجَعْلُهُ مَوْقُوفًا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ تَعْلِيقِ الْوَقْفِ؛ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَأَنَّ الْمُنْقَطِعَ الْأَوَّلَ بَاطِلٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الِانْحِبَاسُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ عَقِبَ الْحَبْسِ الَّذِي هُوَ إنْشَاءُ الْوَقْفِ عَلَى نَعْتِ وُجُودِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ عَقِبَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ أَخَذَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي، وَمَا بَعْدَهُ احْتَمَلَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ حَاصِلٌ الْآنَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَثَرُ الْحَبْسِ، وَأَثَرُ الشَّيْءِ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ وَلَكِنَّ الْمُتَأَخِّرَ ظُهُورُ أَثَرِهِ فَلَا يَكُونُ الْحَبْسُ، وَالِانْحِبَاسُ مُعَلَّقَيْنِ، وَإِنَّمَا الْمُتَجَدِّدُ صِفَةُ الْبَطْنِ الثَّانِي وَكَوْنُهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ فِي الْأَوَّلِ، وَلَا يُوصَفُ الْعَبْدُ بِكَوْنِهِ مَأْمُورًا إلَّا بَعْدَ ذَلِكَ؛ وَاحْتَمَلَ أَنْ يُقَالَ، بَلْ الِانْحِبَاسُ الْبَطْنُ الثَّانِي، وَمَا بَعْدَهُ مُعَلَّقٌ، وَيَكْفِي فِي تَنْجِيزِ الْوَقْفِ حُصُولُ أَثَرٍ لَهُ فِي الْحَالِ وَبَقِيَّةُ الْآثَارِ تُوجَدُ عَلَى تَرْتِيبِهَا، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَلِهَذَا يَقُولُ: الْوَرَّاقُونَ، فَإِذَا انْقَرَضَ الْبَطْنُ كَانَ ذَلِكَ حَبْسًا، أَوْ وَقْفًا عَلَى كَذَا، وَقَدْ رَأَيْت هَذِهِ الْعِبَارَةَ بِعَيْنِهَا فِي كِتَابِ وَقْفِ الشَّافِعِيِّ عَلَى وَلَدِهِ أَبِي الْحَسَنِ وَهُوَ مَسْطُورٌ فِي الْجُزْءِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ الْأُمِّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ هُنَا أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ الْحَبْسُ وَهُوَ الْوَقْفُ الَّذِي يُقَالُ فِيهِ الْإِيقَافُ عَلَى لُغَةٍ رَدِيئَةٍ، وَتَمَامُهُ بِوُجُودِ الشُّرُوطِ الَّتِي تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَيْهَا، وَالِانْحِبَاسُ الَّذِي هُوَ أَثَرُ تِلْكَ الصِّحَّةِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْوَقْفِ أَيْضًا، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ الْوَرَّاقِينَ صَارَ ذَلِكَ وَقْفًا؛ وَاسْتِحْقَاقُ الصَّرْفِ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ الثَّانِي حَاصِلَانِ حِينَ نَطَقَ الْوَاقِفُ بِالْوَقْفِ وَيَتْلُوهُمَا فِي الرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ، وَفِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَيَتْلُوهُ الرَّابِعُ، وَلَا إشْكَالَ فِي قَبُولِهِ التَّعْلِيقَ، وَمِمَّا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الْمَصَارِفِ لَا غَيْرُ قَوْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>