للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، فَإِنْ صَحَّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ شَرْطُ النَّظَرِ فِيهِ فَقَدْ يَأْتِي فِي شَرْطِهِ فِي غَيْرِهِ إذَا جَمَعَهُمَا بِصِيغَةٍ وَاحِدَةٍ قَوْلًا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمَسْجِدَ مِثْلُ الْمَدْرَسَةِ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا فِيهِ خِلَافٌ هَلْ الْمَسْجِدُ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ لَا مِلْكَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا مِلْكَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ، بَلْ هُوَ تَحْرِيرٌ مَحْضٌ كَالْعِتْقِ أَمَّا الْمَدْرَسَةُ فَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِمَنْ وُقِفَتْ عَلَيْهِ وَلِلنَّاظِرِ عَلَيْهَا مَنْعُ غَيْرِهِمْ مِنْهَا وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا بِمَا يَقْتَضِيه شَرْطُ الْوَاقِفِ.

فَإِنْ قُلْت: هَلْ مِنْ نَقْلٍ بِأَنَّ الْوَاقِفَ يُوَلِّي مُدَرِّسًا؟ قُلْت نَعَمْ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِي فَتَاوِيهِ لَوْ وَقَفَ مَدْرَسَةً عَلَى أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ قَالَ لِعَالَمٍ فَوَّضْت إلَيْك تَدْرِيسَهَا كَانَ لَهُ تَبْدِيلُهُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ مِمَّا لَا حَاجَةَ بِنَا إلَيْهِ هُنَا.

فَهَذَا نَقْلٌ بِأَنَّهُ يُوَلِّي، وَأَيْضًا قَدْ جَوَّزَ الْأَصْحَابَ الِاسْتِئْجَارَ لِلتَّدْرِيسِ، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ عَلَى الْوَاقِفِ، أَوْ النَّاظِرِ أَنْ يَجْعَلَ فِي مَدْرَسَةٍ مُدَرِّسًا هَذَا لَا يَكُونُ.

فَإِنْ قُلْت قَدْ يَقُولُ: إنَّهُ لِلْوَاقِفِ وَلِلنَّاظِرِ إذَا صَرَّحَ لَهُ الْوَاقِفُ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ، فَلَيْسَ لَهُ لِإِطْلَاقِ الْأَصْحَابِ لَهُ ذِكْرَ مَالِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا التَّدْرِيسَ.

قُلْت: مَتَى لَمْ يَكُنْ لِلنَّاظِرِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاقِفِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ النَّظَرُ بِالشَّرْطِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَمَتَى كَانَ لِلْوَاقِفِ كَانَ لِلنَّاظِرِ لِمَا قُلْنَاهُ وَجَوَابُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ قَدْ تَقَدَّمَ.

فَإِنْ قُلْت: لَوْ وَلَّى الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ امْتِنَاعِ الْوَاقِفِ، أَوْ النَّاظِرِ مِنْ التَّوْلِيَةِ.

قُلْت: لَا يَصِحُّ وَالْحَاكِمُ أَوْلَى مَنْ اتَّبَعَ الْحَقَّ وَنَقَضَ مَا لَعَلَّهُ يَصْدُرُ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ الشَّرْعِيِّ، وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ وَكُلُّ نَاظِرٍ عَامٌّ.

، فَإِنْ قُلْت لَوْ كَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ النَّظَرُ الْقَاضِيَ هَلْ يَسْتَفِيدُ النَّظَرَ حِينَئِذٍ بِالشَّرْطِ، أَوْ بِالْقَضَاءِ؟ قُلْت بِالشَّرْطِ وَالْقَضَاءُ شَرْطٌ فِي اتِّصَافِهِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، وَلَا يَسْتَفِيدُهُ بِالْقَضَاءِ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَتَيْنِ

(إحْدَاهُمَا) إذَا سَافَرَ الْقَاضِي عَنْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِحُكْمِ شَرْطِ الْوَاقِفِ؛ لِأَنَّهُ بِخُرُوجِهِ عَنْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْقَضَاءِ، فَهُوَ مُتَّصِفٌ بِالصِّفَةِ الَّتِي اسْتَحَقَّ بِهَا النَّظَرُ وَلَوْ كَانَ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْقَضَاءِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَوْ كَانَ الْوَقْفُ فِي بَلَدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>