للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُنَا شَيْءٌ أَعْظَمَ اللَّهَ بِمَنْزِلَةِ الْإِخْبَارِ أَنَّهُ عَظِيمٌ لَا شَيْءَ جَعَلَهُ عَظِيمًا لِاسْتِحَالَتِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّاعِرِ:

مَا أَقْدَرَ اللَّهَ

فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ التَّعَجُّبِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي وَصْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْقُدْرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} [مريم: ٧٥] جَاءَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَقِيقَةِ أَمْرًا، وَإِنْ شِئْت قَدَّرْته تَقْدِيرَ مَا أَعْظَمَ اللَّهَ عَلَى مَا بَيَّنَّا. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ، وَهُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي الْمَسْأَلَةِ وَنَاطِقٌ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى صِحَّةِ إطْلَاقِ هَذَا اللَّفْظِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ وَلَكِنَّهُ مُخْتَلَفٌ هَلْ يَبْقَى عَلَى حَقِيقَتِهِ مِنْ التَّعَجُّبِ، وَتُحْمَلُ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا أَوْ تُجْعَلُ مَجَازًا عَنْ الْإِخْبَارِ. وَأَمَّا إنْكَارُ اللَّفْظِ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مَعْنَاهُ مِنْ التَّعَجُّبِ وَتَأْوِيلِ الشَّيْءِ عَلَى مَا ذُكِرَ.

وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَنِ مِنْ تَصْنِيفِهِ قَالَ بَابُ أَدْعِيَةٍ مِنْ غَيْرِ الْقُرْآنِ مُسْتَحَبَّةٍ فَذَكَرَ مِنْهَا مَا أَحْلَمَك عَنْ مَنْ عَصَاكَ وَأَقْرَبَكَ مِمَّنْ دَعَاكَ وَأَعْطَفَكَ عَلَى مَنْ سَأَلَكَ وَذَكَرَ شِعْرًا لِغَيْرِهِ مَنْ جُمْلَتِهِ

سُبْحَانَك اللَّهُمَّ مَا ... أَجَلَّ عِنْدِي مِثْلَك

انْتَهَى مَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَنِ مِنْ تَصْنِيفِهِ، وَرَأَيْت فِي السِّيرَةِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ وَنَاهِيك بِهِمَا فِي جِوَارِ ابْنِ الدُّغُنَّةِ قَالَ الْقَاسِمُ إنَّ أَبَا بَكْرٍ لَقِيَهُ سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ وَهُوَ عَائِدٌ إلَى الْكَعْبَةِ فَحَثَى عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا فَمَرَّ بِأَبِي بَكْرٍ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ أَوْ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَلَا تَرَى مَا يَصْنَعُ هَذَا السَّفِيهُ قَالَ أَنْتَ فَعَلْت ذَلِكَ بِنَفْسِك أَيْ وَرَبًّا مَا أَحْلَمَك انْتَهَى. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذَا إلَّا كَلَامُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ لَكَفَى فَضْلًا عَنْ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَإِنْ كَانَتْ مُرْسَلَةً.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْكَشَّافِ فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ فِي قَوْله تَعَالَى {ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن: ٢٧] مَعْنَاهُ الَّذِي يُجِلُّهُ الْمُوَحِّدُونَ عَنْ التَّشَبُّهِ بِخَلْقِهِ أَوْ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: مَا أَجَلَّكَ وَأَكْرَمَكَ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} [الكهف: ٢٦] إنَّهُ جَاءَ بِمَا دَلَّ عَلَى التَّعَجُّبِ مِنْ إدْرَاكِهِ لِلْمَسْمُوعَاتِ وَالْمُبْصَرَاتِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ فِي الْإِدْرَاكِ خَارِجٌ عَنْ حَدِّ مَا عَلَيْهِ إدْرَاكُ

<<  <  ج: ص:  >  >>