للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَكِنْ قَالَ: لَا أُرِيدُ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى رَأْيٍ ثَبَتَ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي الرَّأْيِ: أَحَدُهُمَا يَسْقُطُ كَقَتْلِ الرِّدَّةِ، وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ.

كَحَدِّ قَاطِعِ الطَّرِيق يَتُوبُ بَعْدَ الظَّفَرِ فَصَارَ مِنْ سَنَةِ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ. وَلَوْ قَالَ مَا أَقْرَرْت لَا يَكُونُ رُجُوعًا. قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ. وَلَعَلَّ تَعْلِيلَهُ أَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ وَلَيْسَ مُكَذِّبًا لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ كَذَبْت فَإِنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ قَوْلِ نَفْسِهِ فَقِيلَ: وَلَوْ تَجَرَّدَ إقْرَارُ السَّارِقِ وَلَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا رُجُوعَ وَلَا هَرَبَ وَلَا تَوْبَةَ، وَلَكِنْ اجْتَمَعَتْ بَقِيَّةُ الشُّرُوطِ كُلِّهَا فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الْقَطْعِ وَكَلَامٌ قَدَّمْنَاهُ يَقْتَضِي إثْبَاتَ خِلَافٍ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ طُرُقِ الثُّبُوتِ إلَّا الشَّهَادَةَ فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ فَعَجَبٌ؛ لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ لِقِصَّةِ مَاعِزٍ فَالسَّرِقَةُ أَوْلَى، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ هَذَا حَدُّ آدَمِيٍّ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ وَبِفَرْضِ الْإِقْرَارِ بَعْدَ الطَّلَبِ فَمِنْ أَيْنَ يَأْتِي فِيهِ خِلَافٌ؟ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِأَنَّهُ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شَاهِدَانِ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى مُعَايَنَةِ السَّرِقَةِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِ حَتَّى يَخْرُجَ عَنْ الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ إذَا أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ شُهُودٍ وَإِذَا حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الثُّبُوتِ بِالْبَيِّنَةِ وَالثُّبُوتِ بِالْإِقْرَارِ وَإِذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ قَوْلُ مَنْ قَدَّمْنَاهُ فِي الشُّرُوطِ فِي ذَلِكَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الشُّرُوطِ فِي الْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي يَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ يَجِبُ التَّوَصُّلُ إلَى أَخْذِهِ مِنْهُ وَنَحْنُ كَثِيرًا مِنْ الظَّلَمَةِ نَرَاهُ فِي يَدِهِ الْمُكُوسُ أَوْ شَيْءٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِثْلُ ذَلِكَ لَا يَجِبُ بِهِ الْقَطْعُ، وَكَذَا يَكُونُ سَاكِنًا فِي دَارٍ غَصْبًا أَوْ وَقْفًا مُشَاعًا فَيَفُوتُ بِذَلِكَ الْحِرْزُ، وَفِي الْمَسَائِلِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حَقٌّ فِي مَالِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَنَحْنُ نَرَى كَثِيرًا مِنْ السُّرَّاقِ جِيَاعًا بِحَيْثُ يَجِبُ كِفَايَتُهُمْ عَلَى النَّاسِ وَالْمَسْرُوقُ مِنْهُ أَحَدُ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ مَعَ ذَلِكَ لِمَا لِلسَّارِقِ مِنْ حَقِّ التَّوَصُّلِ إلَى أَخْذِ مَا يَسْتَحِقُّهُ.

وَمِنْ جُمْلَةِ الشَّرْطِ أَنْ يَكُونَ الْأَمِيرُ الَّذِي يَتَوَلَّى الْقَطْعَ أَوْ يَأْمُرُ بِهِ إمَامًا مُسْتَجْمِعَ الشَّرْطِ أَوْ نَائِبًا عَنْهُ مُسْتَجْمِعَ شَرْطِ النِّيَابَةِ أَوْ قَاضِيًا مُسْتَجْمِعَ شُرُوطُ الْقَضَاءِ إنْ قُلْنَا إنَّ الْقَاضِيَ يَجُوزُ لَهُ إقَامَةُ الْحُدُودِ

<<  <  ج: ص:  >  >>