للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا عَلَى ذَلِكَ فَنَحْتَاجُ إلَى الْمُوَافَقَةِ عَلَيْهِ وَلَا أَعْرِفُ لِهَذَا النَّوْعِ مِثَالًا وَلَا دَلِيلًا مِنْ السُّنَّةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بَعْضُ الْبِلَادِ الْمَوْجُودَةِ فِي أَيْدِينَا مِمَّا هِيَ صُلْحٌ مِنْ أَمْثِلَتِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِنْ صَالَحُوا عَلَى إحْدَاثِهَا أَيْضًا جَازَ. ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْكَافِرِ وَغَيْرِهِ.

قُلْت هَذَا عِنْدِي فِيهِ تَوَقُّفٌ لِأَنَّهُ إحْدَاثُ كَنِيسَةٍ فِي الْإِسْلَامِ فَيَكُونُ الصُّلْحُ عَلَيْهِ بَاطِلًا. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْفَتْحُ بِدُونِهِ فَيَجُوزُ وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي الْمَنْعُ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَإِنْ أَطْلَقُوا فَوَجْهَانِ:

(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ يُنْقَضُ مَا فِيهَا مِنْ الْكَنَائِسِ لِأَنَّ إطْلَاقَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي ضَرُورَةَ جَمِيعٍ لَنَا.

(وَالثَّانِي) أَنَّهَا تَكُونُ مُسْتَثْنَاةً بِقَرِينَةِ الْحَالِ فَإِنَّمَا شَرَطْنَا تَقْرِيرَهُمْ وَقَدْ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ الْإِقَامَةِ إلَّا بِأَنْ يَبْقَى لَهُمْ مُجْتَمَعٌ لِعِبَادَتِهِمْ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ. قُلْت نَعَمْ هُوَ الْأَشْبَهُ وَالْأَصَحُّ. وَالثَّانِي ضَعِيفٌ جِدًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِذَا شَكَكْنَا فِي الِاشْتِرَاطِ فَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَتَأْتِي تِلْكَ الْمَبَاحِثُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَلَمْ يَنْقُلْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي هَذَا الْفَرْعِ شَيْئًا إلَّا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنْ نَنْظُرَ إلَى مَا شَرَطَ لَهُمْ فَيَحْمِلُونَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْ غَيْرِهِ شَيْئًا وَلَا تَعَرَّضَ لِحَالَةِ الْإِطْلَاقِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالثَّانِي مَا فُتِحَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبَلَدُ لَهُمْ وَهُمْ يُؤَدُّونَ خَرَاجًا فَيَجُوزُ تَقْرِيرُهُمْ عَلَى بِيَعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ فَإِنَّهَا مِلْكُهُمْ. قُلْت هَذَا صَحِيحٌ، وَمِثَالُهُ نَجْرَانُ وَقَدْ وَرَدَ النَّصُّ فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَأَمَّا إحْدَاثُ الْكَنَائِسِ فَعَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ مِنْهُ لِأَنَّ الْبَلَدَ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ فَلَا يُحْدِثُ فِيهِ كَنِيسَةً وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْهُ لِأَنَّهُمْ مُتَصَرِّفُونَ فِي مِلْكِهِمْ وَالدَّارُ لَهُمْ وَلِذَلِكَ يُمَكَّنُونَ مِنْ إظْهَارِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالصَّلِيبِ فِيهَا وَإِظْهَارِ مَا لَهُمْ مِنْ الْأَعْيَادِ وَضَرْبِ النَّاقُوسِ وَالْجَهْرِ بِقِرَاءَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ إيوَاءِ الْجَوَاسِيسِ وَإِنْهَاءِ الْأَخْبَارِ وَمَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ فِي دِيَارِهِمْ.

قُلْت لَكِنَّ الْأَصْحَابَ عَدُّوهَا فِي بَابِ اللَّقِيطِ دَارَ الْإِسْلَامِ لِجَرَيَانِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهَا فَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَجُزْ إلَّا مُجَرَّدُ تَأْمِينٍ أَوْ أَدَاءِ جِزْيَةٍ كَمَا فِي نَجْرَانَ وَدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فَبَقَاءُ هَذَا النَّوْعِ فِي حُكْمِ دُورِ الْكُفَّارِ مُحْتَمَلٌ. وَأَمَّا إذَا جَرَتْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ وَإِنْ انْفَرَدَ فِيهِ الْكُفَّارُ فَلَا وَجْهَ لِإِحْدَاثِ كَنِيسَةٍ فِيهِ أَصْلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>