للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نَقُولَ فِيهِ بَعْضَ الْمَاءِ وَلَا بَعْضَ الْعَسَلِ لِأَنَّ الْمُرَادَ فِيهِ الْحَقِيقَةُ وَالْحَقِيقَةُ لَا يُقَالُ فِيهَا كُلٌّ وَلَا بَعْضٌ.

فَإِذَا تَأَمَّلْت كَلَامَ الْإِمَامِ فِي الْمَحْصُولِ سُؤَالًا وَجَوَابًا وَجَدْتَهُ غَيْرَ مُحَرَّرٍ، أَمَّا السُّؤَالُ فَلِقَوْلِهِ إنَّ الْقُرْآنَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ فَلِقَوْلِهِ إنَّهُ اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ وَالْحَقُّ خِلَافُهُمَا وَأَنَّهُ بِالتَّنْكِيرِ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ وَبِالتَّعْرِيفِ لِلشُّمُولِ فَيَقْتَضِي الْكُلَّ دُونَ الْبَعْضِ، وَلَوْلَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ عِنْدَ التَّنْكِيرِ يُحْمَلُ عَلَى الْبَعْضِ لَكَانَ لِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ مِنْ جِهَةِ احْتِمَالِهِ أَنْ يَكُونَ اسْمًا لِلْكِتَابِ الْعَزِيزِ بِجُمْلَتِهِ وَيَكُونَ مُشْتَقًّا مِنْ قَرَنَ لَا سِيَّمَا عِنْدَ مَنْ لَا يَهْمِزُهُ وَهِيَ قِرَاءَةُ الشَّافِعِيِّ وَيَكُونُ وَزْنُهُ فَعَالًا وَإِنَّمَا قَيَّدْتُ بِقَوْلِي يَكُونُ مُشْتَقًّا مِنْ قَرَنَ لِأَنَّا إذَا جَعَلْنَاهُ مُشْتَقًّا مِنْ قَرَأَ وَوَزْنُهُ فَعَالًا وَجَعَلْنَاهُ عَلَمًا وَجَبَ امْتِنَاعُ صَرْفِهِ، وَقَدْ يُطْلَقُ الْقُرْآنُ بِهِ مَصْرُوفًا، فَقَالَ تَعَالَى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: ٢] فَتَعَيَّنَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ عَلَمًا وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ وَزْنُهُ فُعْلَانًا لِأَنَّ الْعَلَمِيَّةَ مَعَ زِيَادَةِ الْأَلِفِ وَالنُّونِ يَمْنَعَانِ الصَّرْفَ، وَإِذَا انْتَفَتْ الْعَلَمِيَّةُ وَزِيَادَةُ الْأَلِفِ وَالنُّونِ احْتَمَلَ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَلَمِيَّةَ مَعَ عَدَمِ الزِّيَادَةِ.

وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الْحِنْثُ بِالْبَعْضِ غَيْرُ مُتَّجَهٍ وَإِنْ تَجَرَّدَ مِنْ الْأَلِفِ وَاللَّامِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عَلَمًا لِلْمَجْمُوعِ لَا لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ شَائِعٍ فَالْمَوْضُوعُ لَهُ نَكِرَةٌ لَا عَلَمٌ، فَنَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْحِنْثِ بِالْبَعْضِ عِنْدَ التَّنْكِيرِ انْتَفَى هَذَا الْقِسْمُ وَبَقِيَ قِسْمَانِ:

(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ مَصْدَرٌ وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى الْكُلِّ وَالْبَعْضِ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَهْمِزُهُ وَكَذَا مَنْ لَا يَهْمِزُهُ وَلَكِنْ يَجْعَلُ تَرْكَ الْهَمْزَةِ تَخْفِيفًا.

(وَالثَّانِي) أَنَّهُ اسْمٌ غَيْرُ مَصْدَرٍ وَهُوَ الَّذِي يَرَاهُ الشَّافِعِيُّ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ الْأَهْيَمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى إسْمَاعِيلَ بْنِ قُسْطَنْطِينَ وَكَانَ يَقُولُ الْقُرْآنُ اسْمٌ وَلَيْسَ بِمَهْمُوزٍ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْ قَرَأْت وَلَكِنَّهُ اسْمٌ لِكِتَابِ اللَّهِ مِثْلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ قَالَ وَيُهْمَزُ " قَرَأْت " وَلَا يُهْمَزُ " الْقُرْآنُ ".

قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ اسْمٌ لِكِتَابِ اللَّهِ يُشْبِهُ أَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُشْتَقٍّ وَقَدْ قَالَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ أَنَّهُ اسْمٌ لِكَلَامٍ يَجْرِي مَجْرَى الْأَعْلَامِ فِي أَسْمَاءٍ غَيْرِهِ كَمَا قِيلَ فِي اسْمِ اللَّهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُشْتَقٍّ مِنْ مَعْنَى يَجْرِي مَجْرَى اللَّقَبِ فِي صِفَةٍ غَيْرِهِ. انْتَهَى كَلَامُ الْوَاحِدِيِّ.

فَقَوْلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>