للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[العمود الصحفي]

لا تَجِدُ فنًّا من الفنون يخضع لتطور الحياة كما يخضع له فن الصحافة، ذلك لأن الصحافة إنما خلقت لتخدم المجتمع، وتعبر عن أفكاره، وتساير أهواءه، والمتأمل في تطور الصحافة في العالم يجد علاقة كبيرة بين ظهور "العمود الصحفي" ورغبات القراء، كما تظهر في اضطرارهم إلى السرعة في القراءة، وإيثار المواد القصيرة التي تعطيهم الشيء الكثير في الزمن القصير، ثم تردهم سريعًا إلى هواياتهم الخاصة، أو إلى مشاغلهم الكثيرة، أو إلى عملهم اليوميّ.

ولقد كانت الصحافة المصرية إلى أوائل القرن العشرين صحافة مقالٍ من أولها إلى آخرها، وكان المقال الصحفيُّ يشغل حيزًا كبيرًا جدًّا من الصحيفة، بل كثيرًا ما وجدنا "النديم" وأمثاله من الصحفيين يصدر الواحد منهم عددًا كاملًا يتألف من مقالٍ واحد، وإذا ذهبت تقيس هذا المقال بما تجده في الكتب نفسها رأيته لا يقل في مساحته عن فصل أو فصلين من فصول الكتب العلمية أو الأدبية في أيامنا هذه.

وكمصر في هذا الاتجاه نحو المقال غيرها من البلاد الأخرى مثل انجلترا وفرنسا، وقد أشرنا في بعض مواضع هذا الكتاب إلى الفترة التي كانت فيها الحكومة الإنجليزية تفرض الضرائب على الأخبار، وتعفي منها المقال، وإلى الأثر الذي أحدثته هذه السياسة في شكل الصحيفة إذ ذاك.

وهكذا تخضع الصحافة في مصر لمثل الظروف التي تخضع لها الصحافة في غيرها من الأقطار الأخرى، وهكذا نرى أن الصحيفة التي اقتصرت في الماضي على الخبر والمقال, بدأت بعد ذلك تحفل بألوان أخرى من المواد؛

<<  <   >  >>