للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الرابع: اللغة الانفعالية]

لم ندخل في اعتبارنا حتى الآن إلا الصورة التي تصاغ فيها الأفكار صياغة منطقية، أعنى أننا لم ندرس اللغة إلا بوصفها اداة عقلية. ولكن الإنسان لا يتكلم ليصوغ أفكارا فحسب، بل يتكلم أيضا ليؤثر في أمثاله وليعبر عن حساسيته. أي أننا إذا اتخذنا قاعدة ما كان يدرس لنا في المدرسة من التفريق المثلث النواحي بين الذكاء والإرادة والحساسية، أمكننا أيضا أن نفرق بين اللغة المنطقية واللغة الفاعلة واللغة الانفعالية.

فاللغة الفاعلة لم تدرس أو لم تكد تدرس حتى الآن. ومع ذلك فلها أهميتها التي تظهر لنا بجلاء حينما نحاول أن نتصور اللغة الإنسانية في مهدها "انظر ما تقدم في ص٣٩". هذا إلى أنها في مجرى التاريخ تسير على قوانين خاصة بها؛ فميدانها من الوجهة النحوية هو ميدان الأمر في الفعل وميدان المنادى في الاسم، وكل منهما له في فصيلته صيغ واستعمالات خاصة. وإذا كنا فيما سبق قد جمعنا في صعيد واحد فعلا مثل: tais-toi "اسكت"! واسما مثل! Silence "سكون! " واسم فعل مثل: chut "صه! " فإن هذا الخلط لم يتأت لنا إلا لأن الأمر فيها جميعا يتعلق باللغة الفاعلة التي عندها تزول الحدود بين الفعل والاسم. واللغة الفاعلة مع كونها تستمد غذائها في أحيان كثيرة من اللغة المنطقية التي تستعير منها بعض العبارات النحوية الجامدة في صورتها، تستحق رغم ذلك أن تميز عنها، لأنها تقوم بدور قد قصر عليها وحدها وتملك آلات خاصة بها. ولكن لم يشرع في دراستها حتى الآن.

<<  <   >  >>