للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أيديهم أداتان متساويتان في المتانة والصلاحية، فاختاروا من بينهما أصلحهما لحاجات أعمالهم. ذلك بأنه ينشأ هناك ميل إلى نقل الحدود اللغوية بحسب الجهة التي ترد منها العلاقات الاقتصادية فالمصلحة العملية هي وحدها الحكم في مثل هذه الحالة، وهي التي تحكم لهذه اللغة أو لتلك، وقد تبقى اللغتان زمنا طويلا في حالة تعادل.

فضلا عن الظروف الاقتصادية يجب أن ندخل في حسابنا الموقف السياسي. فبعض الشعوب تتمسك بهذه اللغة دون تلك ويرخى لها عمدا عنان التفشي مدفوعا في ذلك بعاطفة وطنية أو بقصد إظهار استقلاله أو بنفوره من دولة مجاورة. ومن المؤكد مثلا أن مركز كل من الفلمنكية والفرنسية في بلجيكا لا يتوقف على الظروف الاقتصادية فحسب، بل تضاف إليها بواعث سياسية ينبغي للعالم اللغوي ألا يسقطها من حسابه. ومنذ عشرين سنة تتمشى في إيرلندا حركة تتجه إلى إحياء اللغة الوطنية القديمة يقوم أصلها على بواعث سياسية، وهي التخلص من لغة الإنجليز، أعدائهم التقليديين، والفرنسية لم تتكلم يوما في الألزاس بقدر ما كانت تتكلم في فترة انضمامها إلى الأمبراطورية الألمانية. أما حينما كانت مقاطعة الألزاس جزءا من فرنسا قبل سنة ١٨٧١، ولم تكن مضطرة إلى اتخاذ لغة بعينها، فلم يكن لدى الألزاسيين باعث قوي على ترك لهجاتهم المحلية الجرمانية.

كذلك تخضع المنافسة اللغوية في الأقطار البلقانية لأسباب سياسية إلى حد كبير، ولكن الدين بدوره يقوم فيها بدور هام. واللغة الأرمينية تدين بقسط كبير في حيويتها إلى وجود كنيسة أرمينية مستقلة. فالشعور المنبعث من وجود جماعة دينية يزيد مقاومة اللغة قدرة. وفي مستعمرة الكاب، كان المهاجرون الفرنسيون من البروتستانت في سنة ١٦٨٨ يكونون ربع سكان المستعمرة، ولما كانت الهولندية وحدها هي اللغة المسموح بها في الأمور العامة والسياسية والدينية، فقد اختفت الفرنسية بعد مضي قرن واحد.

هناك أيضا عامل عاطفي آخر له قوته العظيمة في المحافظة على سلامة الكثير من اللغات وبقائها, هو عامل الهيبة. فما كان للاتيني أن يرضى بتعلم إحدى اللغات

<<  <   >  >>