للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الثاني: اللغة المكتوبة والرسم]

أحسن بنو الإنسان في كل العصور أهمية اللغة المكتوبة، فأرجعوا أصل الكتابة إلى الوحي الإلهي. إذ اعتقد العبريون أن موسى تلقاها من ذات الإله، وعزاها المصريون إلى الإله توت "أفلاطون، فيدروس: ٢٧٤"، ووضع الإغريقيون اختراع الكتابة في نسق مع ممارسة الزراعة واكتشاف النار، فرفعوا كدموس Cadmus إلى مرتبة تريتوليم Triptolieme أو بروميتيه Promethee.

ولكن ليس معنى هذا أن الأولين من بني الإنسان قد صدمتهم فائدة هذا الابتكار، أو أنهم أحسوا الخدمات التي يمكن أن يؤديها إلى سلالتهم؛ بل لقد رأوا في الكتابة إجراء غيبيا أثار انتباههم بخصائصه المخوفة, فالكتابة بالنسبة إليهم كانت علما, والعلم قد أثار دائما خوف البشر، وهم على حق في ذلك لأنه يسمح لمن يستحوذ عليه بفعل الشر والخير على السواء.

أولئك الذين بدءوا باستعمال الكتابة كانوا يستعملونها في عمليات شبه سحرية, فالكتابة في أصلها كانت طريقة من طرق السحر, وقد احتفظت اللغة المكتوبة بهذه الصفة زمنا طويلا، فكتابة اسم على قطعة من اللحاء أو من إهاب حيوان، كان معناها إمساك الكاتب لصاحب الاسم تحت تصرفه، معناها قسره وتقييده, معناها القدرة على رفعه أو خفضه، على نجاته أو إهلاكه تبعا لإرادته, وأول ما خط من سطور تحتوي على اسم أحد الأشخاص، كان ضربا من الرقى: تعاويذ يقصد بها النجاح أو الشفاء، الإخضاع أو الإضرار. وإذا كانت الكلمة الملفوظة لها قوة سحرية "انظر ص٢٣٨" فالكلمة المكتوبة من باب أولى. ومن ثم كان الكتاب الأولون من السحرة.

<<  <   >  >>