للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رفاعة الطهطاوي: ١٨٠١-١٨٧٣

هو إمام النهضة العلمية في مصر الحديثة غير مدافع، وهبه الله لمصركي يزوّدها بنور العلم؛ فكان مشعلًا ساطعًا بدَّدَ الجهل وسُدْفَته، وأنار الطريق لآلاف العقول والقلوب, ووضع اللبنات الأولى القوية في صرح ثقافتنا الحديثة.

أُوتِيَ القلب الذكي، والعقل الصافي، والنشاط الموفور، والبصيرة النفاذة، والعزيمة المبرمة؛ فما أضاع ساعةً منذ وضع رجليه على سُلَّمِ الباخرة التي أقلته إلى فرنسا إلّا وأمامه الهدف الذي رسمه لنفسه ولوطنه، وظلَّ هذا دبأه إلى أن انطفأ مشعل حياته.

هو مصريٌّ صميمٌ، من أقصى الصعيد، يتصل نسبه من جهة أبيه بسيدنا الحسين -رضي الله عنه، وقد أشار إلى هذا النسب قوله:

حسينيّ السلالة قاسميٌّ ... بطهطا معشري وبها مهادي١

ومن جهة أمه بالأنصار الخزرجية، ولد في طهطا، وكان أجداده من ذوي اليسار وممن تولوا مناصب القضاء بمصر، ثم أخنى عليهم الدهرن وحينما وُلِدَ كانت أسرته في عسر، فنشأ نشأةً معتادةً بين أبوين فقيرين، وقرأ القرآن، وتلقَّى العلوم الدينية، كما يتلقاها عامة طلبة العلم في عصره، ودخل الأزهر كما دخله غيره، وصار من علمائه كما صار كثيرون، ولكن ذكاءه وحبه للعلم، وإقباله على التحصيل, لفت إليه نظر الشيخ حسن العطار شيخ الجامع الأزهر في ذياك الوقت، وكان الشيخ العطار من أفذاذ عصره في العلم والأدب والفنون الحديثة، فاقتدى به تلميذه الشيخ رفاعة، فقرأ كثير من كتب الأدب، ومهر في فنونه وهو بعد في الأزهر, ثم تولَّى التدريس سنتين؛ ظهر فيهما استعداده للتعليم والتثقيف؛ إذ أحبه تلاميذه حبًّا جمًّا, وتتعلقوا به وبدروسه. ويقول صالح بك مجدي في هذا٢.


١ قاسميّ: نسبة إلى أجداده أبي القاسم الحسين, وهو من أولياء طهطا المشهورين، راجع في نسبه الخطط التوفيقة لعلي مبارك ج١٣, ص٥١-٥٦.
٢ في رسالته "حلية الزمن بمناقب خادم الوطن" وهي ترجمة حياة رفاعة بك، كتبها صالح مجدي أحد تلاميذه.

<<  <  ج: ص:  >  >>