للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل السادس: الاتصال بالأدب الأجنبي]

[الترجمة والتأليف]

...

[الفصل السادس: الاتصال بالأدب الأجنبي]

مَرَّ بك في الفصول السابقة شيء عن الترجمة في عهدي محمد علي وإسماعيل، وكيف أن الاتجاه في عهد محمد علي كان علميًّا بحتًا لحاجة النهضة إلى العلوم، وأن الآداب لم يكن لها إلّا نصيب ضئيل، ثم جاء عصر إسماعيل وزاد الاهتمام بالآداب، وترجمت بعض الكتب الأدبية في عصره، ولكن منيت مصر بعد ذلك بالاحتلال الإنجليزي، وازداد نفوذ الأجانب، وفرضت اللغة الإنجليزية فرضًا على تلاميذ المدراس المصرية، واتصل الأدب العربيّ والفكر العربيّ اتصالًا مباشرًا بالفكر الغربيّ، وقد كان لهذا أثر في الاتجاه الذي سلكه الأدب العربيّ حتى يومنا هذا، وسنرى إلى أيِّ حدٍّ أثَّرَ الأدب الغربيّ في الفكر العربيّ في ألوان الأدب واتجاهاته وأساليبه شعرًا ونثرًا، وإن كان هذا الفصل لا يتسع لكل هذا؛ لأن الأدب الأجنبيّ لا يزال حتى اليوم يغذي أدبنا العربيّ، وظهرت منذ الثورة العرابية حتى الحرب العالمية الثانية آثار عديدة لعشراتٍ من الكتاب والشعراء, يتضح في كثير منها ذلك الأثر الأجنبيّ في صور شتَّى, وستكون دراسة هذه الآثار، وترجمة أصحابها, في الأجزاء التالية -إن شاء الله، وحسبنا هنا أن نسجل الخطوات التي دفعت بالأدب العربيّ إلى هذا النهج، وأن ندرس بعض الألوان الجديدة التي قدمت للقارئ العربيّ في أخريات القرن التاسع عشر, وأوائل القرن العشرين.

١- الترجمة والتأليف:

راينا آنفًا أن الثقافة الأجنبية التي نهلت منها مصر منذ عصر محمد علي كانت الثقافة الفرنسية، وأن مدرسة رفاعة من التراجمة والمعربين لم يهتموا بالثقافات الأجنبية الأخرى إلّا قليلًا، وكان معظم رجال البعثات في عصري محمد علي وإسماعيل يذهبون إلى فرنسا, ويعودون متشبعين بالفكر الفرنسيّ وبالثقافة الفرنسية، ولكن كان كل شيء ينقل إلى اللغة العربية؛ من طبٍّ, وهندسةٍ, وعلومٍ رياضيةٍ وعسكريةٍ, وما شاكل هذا، فاتسعت اللغة العربية، وزادت ثروتها بما بذل المعربون في سبيل مدها بالكلمات الجديدة، أو إحياء الكلمات القديمة التي تحقق غرضهم، ولو استمرت النهضة العلمية في هذ الاتجاه، وحمل العلماء والأدباء ورجال الفن والقانون الذين يلجأون إلى الثقافات الأجنبية المختلفة

<<  <  ج: ص:  >  >>