للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الأول: المؤثرات العامة في الشعر الحديث الثقافة الأجنبية]

...

الفصل الأول: المؤثرات العامية في الشعر الحديث الثقافة الأجنبية

تحدثت في الجزء الأول من كتاب الأدب الحديث١ عن الاتصال بالأدب الأجنبي، في إيجاز، وعرض سريع، وأعود هنا إلى الموضوع بشيء من البسط، لندرك الصراع العنيف بين فرنسا وإنجلترا على تثبيت كل منهما نفوذها الأدبي بهذه الديار.

يرجع اتصال مصر الحديثة بالثقافة الغربية إلى الحملة الفرنسية، وقد وفينا موضوع الحملة الفرنسية حقه من البحث في الجزء الأول من هذا الكتاب. وجاء محمد علي فاتجه صوب فرنسا يستخدم علماءها وقواد جيشها وأطباءها في نهضة مصر، ويرسل البعثات العديدة إلى فرنسا، بل ينشئ مدرسة للطلبة المصريين بباريس. وقد عاد هؤلاء الطلبة إلى مصر وتولوا زعامة حركة الإصلاح بها، وعلى رأسهم رفاعة الطهطاوي، وعلي مبارك. ولكن عباسًا الأول كان من النافرين كل النفور من الثقافة الأجنبية ولا سيما الفرنسية. فألغى نظام التعليم الذي وضع على النهج الفرنسي، ولم يرسل إلى فرنسا سوى ثلاثة من الطلاب في حين أرسل خمسة وأربعين طالبًا إلى الدول الأخرى، وفي موقف عباس الأول إزاء الثقافة الفرنسية يقول الأمير عمر طوسون٢: "شعرت فرنسا بانصراف هذا العاهل "عباس الأول" عن الاتجاه إليها، خصوصًا بعد ما نحي عن مناصب الحكم في بلاده أكثر الأجانب وبخاصة الفرنسيين، فجاء ذكره على ألسنة مؤرخيها مشوبًا بالقدح خاليًا من المدح".

وغضب عباس على هؤلاء المصريين الذين حذقوا الفرنسية وعملوا على نشرها، فنفي رفاعة الطهطاوي إلى السودان، وأغلق مدرسة الألسن. إلخ ما عرفت في الجزء الأول من كتابنا هذا. ولكن فرسنا المستعمرة لم تكن ترضى بهذا، وإن فاتها الغزو الحربي فعزيز عليها أن يفوتها الغزو الأدبي، والتمكين للغاتها وأدبها بأرض مصر، فتفيد نفوذًا وتجارة، ولعلها تجد فرصة مواتية


١ راجع الفصل السادس من كتاب الأدب الحديث ج١.
٢ البعثات العلمية في عهد محمد علي، ثم في عهد عباس الأول وسعيد للأمير عمر طوسون ص ٤١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>