للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سلام على تلك المعاهد والربا ... سلام وداع لا سلام قدوم

وصار بهذا العهد ما بين أوّل بولاق من قبليه، إلى أطراف جزيرة الفيل عامرا، من غربيه المفضي إلى النيل، ومن شرقيه الذي ينتهي إلى الخليج، إلّا أنّ النيل قد نشأت فيه جزائر ورمال بعد بها الماء عن البرّ الشرقيّ، وكثر العناء لبعده، وفي كل عام تكثر الرمال ويبعد الماء عن البرّ، ولله عاقبة الأمور. فهذا حال الجهة الغربية من ظواهر القاهرة في ابتداء وضعها، وإلى وقتنا هذا، وبقي من ظواهر القاهرة الجهة القبلية والجهة البحرية، وفيهما أيضا عدّة أخطاط تحتاج إلى شرح وتبيان، والله تعالى أعلم بالصواب.

[ذكر خارج باب زويلة]

اعلم أنّ خارج باب زويلة جهتان، جهة تلي الخليج، وجهة تلي الجبل. فأما الجهة التي تلي الخليج، فقد كانت عند وضع القاهرة بساتين كلها، فيما بين القاهرة إلى مصر.

وعندي فيما ظهر لي، أنّ هذه الجهة كانت في القديم غامرة بماء النيل، وذلك أنه لا خلاف بين أهل مصر قاطبة أنّ الأراضي التي هي من طين أبليز لا تكون إلّا من أرض ماء النيل، فإنّ أرض مصر تربة رملة سبخة، وما فيها من الطين طرح بعلوها عند زيادة ماء النيل، مما يحمله من البلاد الجنوبية من مسيل الأودية، فلذلك يكون لون الماء عند الزيادة متغيرا، فإذا مكث على الأرض قعد ما كان في الماء من الطين على الأرض، فسماه أهل مصر إبليز، وعليه تزرع الغلال وغيرها، وما لا يشمله ماء النيل من الأرض لا يوجد فيه هذا الطين البتة، وأنت إن عرفت أخبار مصر بتأمّلك ما تضمنه هذا الكتاب، ظهر لك أن موضع جامع عمرو بن العاص رضي الله عنه كان كروما مشرفة على النيل، وأن النيل انحسر بعد الفتح عما كان تجاه الحصن الذي يقال له قصر الشمع، وعما هو الآن تجاه الجامع، وما زال ينحسر شيئا بعد شيء حتى صار الساحل بمصر من عند سوق المعاريج الآن إلى قريب من السبع سقايات، وجميع الأراضي التي فيها الآن المراغة خارج مصر إلى نحو السبع سقايات، وما يقابل ذلك من برّ الخليج الغربيّ كان غامرا بالماء كما تقدّم، وكان في الموضع الذي تجاه المشهد المعروف بزيد، وتسميه العامة الآن مشهد زين العابدين، بساتين، شرقيها عند المشهد النفيسيّ، وغربيها عند السبع سقايات، منها بساتين عرفت بجنان بني مسكين، وعندها بني كافور الإخشيدي داره على البركة التي تجاه الكبش، وتعرف اليوم ببركة قارون، ومنها بستان يعرف ببستان ابن كيسان، ثم صار صاغة، وهو الآن يعرف ببستان الطواشي، ومنها بستان عرف آخرا بجنان الحارة، وهو من حوض الدمياطي الذي بقرب قنطرة السدّ الآن إلى السبع سقايات، وبقرب السبع سقايات بركة الفيل، ويشرف على بركة الفيل بساتين من دائرها، وإلى وقتنا هذا عليها بستان يعرف بالحبانية، وهم بطن من درما بن عمرو بن عوف بن ثعلبة بن سلامان بن بعل بن عمرو بن الغوث بن طي، فدرما فخذ من طيّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>