للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك أنه عمد إلى رجال من أهل البصرة قد تفرّغوا للعبادة وليس لهم تجارات ولا غلات، فبنى لهم دورا وأسكنهم فيها وجعل لهم ما يقوم بمصالحهم من مطعم ومشرب وملبس وغيره، فجاء يوما ليزورهم فسأل عنهم فإذا عبد الله بن عامر عامل البصرة لأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه قد دعاهم. فأتاه فقال له: يا ابن عامر ما تريد من هؤلاء القوم؟ قال: أريد أن أقرّبهم فيشفعوا فأشفعهم، ويسألوا فأعطيهم، ويشيروا عليّ فأقبل منهم. فقال: لا ولا كرامة، فتأتي إلى قوم قد انقطعوا إلى الله تعالى فتدنسهم بدنياك وتشركهم في أمرك، حتى إذا ذهبت أديانهم أعرضت عنهم فطاحوا لا إلى الدنيا ولا إلى الآخرة، قوموا فارجعوا إلى مواضعكم. فقاموا، فأمسك ابن عامر فما نطق بلفظة. ذكره أبو نعيم.

[الخانكاه الصلاحية، دار سعيد السعداء، دويرة الصوفية]

هذه الخانكاه بخط رحبة باب العيد من القاهرة، كانت أوّلا دارا تعرف في الدولة الفاطمية بدار سعيد السعداء، وهو الأستاذ قنبر، ويقال عنبر. وذكر ابن ميسر أن اسمه بيان، ولقبه سعيد السعداء، أحد الأستاذين المحنكين خدّام القصر، عتيق الخليفة المستنصر، قتل في سابع شعبان سنة أربع وأربعين وخمسمائة، ورمي برأسه من القصر، ثم صلبت جثته بباب زويلة من ناحية الخرق، وكانت هذه الدار مقابل دار الوزارة. فلما كانت وزارة العادل رزيك بن الصالح طلائع بن رزيك سكنها وفتح من دار الوزارة إليها سردابا تحت الأرض ليمرّ فيه، ثم سكنها الوزير شاور بن مجير في أيام وزارته، ثم ابنه الكامل. فلما استبدّ الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شادي بملك مصر بعد موت الخليفة العاضد، وغير رسوم الدولة الفاطمية، ووضع من قصر الخلافة، وأسكن فيه أمراء دولته الأكراد، عمل هذه الدار برسم الفقراء الصوفية الواردين من البلاد الشاسعة، ووقفها عليهم في سنة تسع وستين وخمسمائة، وولى عليهم شيخا، ووقف عليهم بستان الحبانية بجوار بركة الفيل خارج القاهرة، وقيسارية الشراب بالقاهرة، وناحية دهمر، ومن البهنساوية، وشرط أنّ من مات من الصوفية وترك عشرين دينارا فما دونها كانت للفقراء، ولا يتعرّض لها الديوان السلطانيّ، ومن أراد منهم السفر يعطى تسفيره، ورتّب للصوفية في كلّ يوم طعاما ولحما وخبزا، وبنى لهم حمّاما بجوارهم، فكانت أوّل خانكاه عملت بديار مصر. وعرفت بدويرة الصوفية، ونعت شيخها بشيخ الشيوخ، واستمرّ ذلك بعده إلى أن كانت الحوادث والمحن منذ سنة ست وثمانمائة، واتضعت الأحوال وتلاشت الرتب، فلقب كل شيخ خانكاه بشيخ الشيوخ، وكان سكانها من الصوفية يعرفون بالعلم والصلاح وترجى بركتهم، وولي مشيختها الأكابر والأعيان كأولاد شيخ الشيوخ بن حمويه، مع ما كان لهم من الوزارة والإمارة وتدبير الدولة وقيادة الجيوش وتقدمة العساكر. ووليها ذو الرياستين الوزير الصاحب قاضي القضاة تقيّ الدين عبد الرحمن بن ذي الرياستين الوزير الصاحب قاضي القضاة تاج الدين ابن بنت

<<  <  ج: ص:  >  >>