للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر ما صارت إليه القاهرة بعد استيلاء الدولة الأيوبية عليها]

قد تقدّم أن القاهرة إنما وضعت منزل سكنى للخليفة، وحرمه، وجنده، وخواصه، ومعقل قتال يتحصن بها، ويلتجأ إليها، وإنها ما برحت هكذا حتى كانت السنة العظمى في خلافة المستنصر، ثم قدم أمير الجيوش بدر الجمالي، وسكن القاهرة، وهي يباب دائرة خاوية على عروشها غير عامرة، فأباح للناس من العسكرية، والملحية، والأرمن، وكل من وصلت قدرته إلى عمارة بأن يعمر ما شاء في القاهرة مما خلا من فسطاط مصر، ومات أهله، فأخذ الناس ما كان هناك من أنقاض الدور، وغيرها، وعمروا به المنازل في القاهرة، وسكنوها فمن حينئذ سكنها أصحاب السلطان إلى أن انقرضت الدولة الفاطمية باستيلاء السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شادي في سنة سبع وستين وخمسمائة.

فنقلها عما كانت عليه من الصيانة، وجعلها مبتذلة لسكن العامّة والجمهور، وحط من مقدار قصور الخلافة، وأسكن في بعضها، وتهدّم البعض، وأزيلت معالمه، وتغيرت معاهده، فصارت خططا وحارات، وشوارع ومسالك، وأزقة، ونزل السلطان منها في دار الوزارة الكبرى حتى بنيت قلعة الجبل، فكان السلطان صلاح الدين يتردّد إليها، ويقيم بها، وكذلك ابنه الملك العزيز عثمان، وأخوه الملك العادل، أبو بكر، فلما كان الملك الكامل ناصر الدين محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب تحوّل من دار الوزارة إلى القلعة، وسكنها ونقل سوق الخيل والجمال والحمير إلى الرميلة تحت القلعة، فلما خرب المشرق والعراق بهجوم عساكر التتر منذ كان جنكيزخان في أعوام بضع عشرة وستمائة إلى أن قتل الخليفة المستعصم ببغداد في صفر سنة ست وخمسين وستمائة، كثر قدوم المشارقة إلى مصر، وعمرت حافتي الخليج الكبير، وما دار على بركة الفيل، وعظمت عمارة الحسينية، فلما كانت سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاون الثالثة بعد سنة إحدى عشرة وسبعمائة، واستجدّ بقلعة الجبل المباني الكثيرة من القصور وغيرها، حدثت فيما بين القلعة وقبة النصر عدّة ترب بعد ما كان ذلك المكان فضاء يعرف: بالميدان الأسود وميدان القبق، وتزايدت العمائر بالحسينية، حتى صارت من الريدانية إلى باب الفتوح، وعمر جميع ما حول بركة الفيل، والصليبة إلى جامع ابن طولون، وما جاوره إلى المشهد النفيسيّ، وحكر الناس أرض الزهريّ، وما قرب منها، وهو من قناطر السباع إلى منشاة المهرانيّ، ومن قناطر السباع إلى البركة الناصرية إلى اللوق إلى المقس، فلما حفر الملك الناصر محمد بن قلاون الخليج الناصريّ اتسعت الخطة فيما بين المقس، والدكة إلى ساحل النيل، وأنشأ الناس فيها البساتين العظيمة، والمساكن الكثيرة، والأسواق والجوامع والمساجد، والحمامات والشون، وهي من المواضع التي من باب البحر خارج المقس إلى ساحل النيل المسمى

<<  <  ج: ص:  >  >>