للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وإن كان ثوابه ناقصا وله تطوع سد مسده، فيكمل به ثوابه، وهو في الدنيا يؤمر بالإعادة حيث تمكن، أو يجبره بما ينجبر به كسجدتي السهو، وكالدم فيما ترك من واجبات الحج، وكمثل صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وذلك لأنه إذا أمكنه أن يأتي بالواجب كان ذلك عليه، ولم يكن برئ من عهدته، بل هو مطلوب به كما لو لم يفعل، بخلاف ما إذا تعذر يوم الجزاء، فإنه لم يبق هناك إلا الحسنات؛ ولهذا كان الجمهور على أن من ترك واجبا من الصلاة عمدا فعليه الإعادة ما دام يمكن فعلها، وهو إعادة في الوقت، وفي حديث المسيء: "ارجع فصل فإنك لم تصل" ١، فدل على أن من ترك الواجب لم يكن ما فعل صلاة بل يؤمر بالصلاة، لأنها لم تكن بمقامة المأمور بها في قوله {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} ٢. فإن قيل ففي حديث رفاعة الذي في السنن أنه جعل ما ترك يؤاخذ بتركه فقط، قيل: وكذلك نقول يثاب على ما فعل، وليس كالتارك، ويؤمر بالإعادة لدفع العقوبة. فإن قيل: فإذا لم يكن فعله مفردا طاعة لم يثب عليه، قيل: فعله وهو لم يثب عليه يعلم أنه لا يجوز، أو كان ساهيا كالذي يصلي بلا وضوء ويسهو عن القرآن فيثاب، ولا يعاقب، ولكن يؤمر بالإعادة لأنه لم يفعل ما أمر به، وكالنائم إذا استيقظ، وأما إذا أمر بالإعادة فقد علم أنه لا يجوز فعله مفردا فلا يؤمر به مفردا.

فإن قيل: فإن ترك الواجب عمدا؟ قيل: هذا مستحق للعقاب، وقد يكون إثمه كإثم التارك للصلاة، والمسلم لا يصلي إلى غير قبلة، أو بغير وضوء، ومع هذا فقد يمكن إذا لم يفعله استخفافا بل مع الاعتراف بأنه مذنب


١ البخاري: الأذان (٧٥٧) , ومسلم: الصلاة (٣٩٧) , والترمذي: الصلاة (٣٠٣) , والنسائي: الافتتاح (٨٨٤) , وأبو داود: الصلاة (٨٥٦) , وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (١٠٦٠) والأدب (٣٦٩٥) , وأحمد (٢/٤٣٧) .
٢ سورة النساء آية: ١٠٣.

<<  <   >  >>