للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الباب الثالث من البديع وهو المطابقة ١:

قال الخليل رحمه الله: "طابقت بين الشيئين: إذا جمعتهما على حذو٢ واحد". وكذلك قال أبو سعيد. فالقائل لصاحبه: أتيناك لتسلك بنا سبيل التوسع فأدخلتنا في ضيق الضمان٣، قد طابق بين السَّعَة والضيق في هذا الخطاب. وقال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} ٤. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للأنصار: "إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع"٥. وقال عيسى بن طلحة٦ لعروة بن الزبير٧ حين ابتلي في رجله: إن ذهب


١ يسميها قدامة في نقد الشعر: "التكافؤ" "ص٨٥"، وقد نقل العسكري في الصناعتين جميع ما كتبه ابن المعتز في الطباق ولم يزد عليه إلا القليل "٢٩٧ وما بعدها"، قال أبو هلال: المطابقة في الكلام الجمع بين الشيء وضده في جزء من أجزاء الرسالة والخطبة أو البيت من بيوت القصيدة مثل: الجمع بين البياض والسواد والليل والنهار والحر والبرد، وخالفهم قدامة فقال: المطابقة إيراد لفظتين متشابهتين في البناء والصيغة مختلفتين في المعنى؛ كقول زياد الأعجم:
ونبئتهم يستنصرون بكاهل ... وللؤم فيهم كاهل وسنام
وسمى الجنس الأول التكافؤ، وأهل الصنعة يسمون النوع الذي سماه المطابقة التعطف ... إلخ، وقريب من ذلك في إعجاز القرآن للباقلاني "ص٧٩". وراجع باب المطابقة في العمدة الذي تأثر فيه ابن رشيق بمن سبقه من العلماء وخاصة ابن المعتز "ص٥ ج٢ العمدة، طبعة ١٩٣٤". وثعلب يسمي المطابقة مجاورة الأضداد "٢٤ قواعد الشعر، طبع ليدن".
٢ حذا النعل بالنعل: قدر كل واحدة منها على صاحبتها.
٣ ضمن الشيء ضمانًا: تكفل به.
٤ سورة البقرة، آية: ١٧٩.
٥ في صفحة ٣ من الكامل للمبرد شرح وافٍ للحديث.
٦ هو عيسى بن طلحة بن عبد الله ناسك جيد الكلام، وفد على عبد الملك وكلمه في عزل الحجاج فعزله، وتوفي سنة ١٠١هـ.
٧ عروة هو أحد الفقهاء السبعة، ولد بالمدينة سنة ٣٢هـ، وقدم إلى مصر، وأقام بها سبع سنين، ثم عاد إلى المدينة، وتوفي فيها عام ٩٣.

<<  <   >  >>