للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والتحليل، وأخذت تتكون من تلك الدراسات النواة الأولى للبيان العربي، وظل التقدم الفكري والنضوج الأدبي والعلمي يسير بهذه البحوث والدراسات نحو الكمال المنشود بخطوات كبيرة، وكانت الثقافة البيانية تنمو حين ذاك بجهود ثلاث طبقات:

أ- الأولى طبقة رواة وعلماء الأدب من البصريين والكوفيين والبغداديين؛ من أمثال: خلف والأصمعي وأبي زيد وأبي عبيدة ويحيى بن نجيم وعمرو بن كركرة، وأستاذهم أبو عمرو بن العلاء أعلم الناس بالعرب والعربية١، ومن عامة الرواة الذين لا يقفون إلا على البليغ الساحر من الأساليب -كما يقول الجاحظ- دون النحويين واللغويين والإخباريين الذين لم يتجهوا هذا الاتجاه٢، وبجوار هؤلاء أئمة الشعراء٣ وغيرهم من الخطباء ورجال الأدب الذين تثقفوا بالثقافة العربية.

ب- والثانية طبقة الكُتَّاب الذين لم يرَ الجاحظ قومًا قط أمثل طريقة في البلاغة منهم، والذين التمسوا من الألفاظ ما لم يكن وحشيًّا ولا سوقيًّا٤، ورأى الجاحظ البصر بهذا الجوهر من الكلام فيهم أعم٥، وحكم مذهبهم في النقد٦، ومثلهم المعتزلة وفرق المتكلمين الذين رآهم الجاحظ فوق أكثر الخطباء وأبلغ من كثير من البلغاء٧، وكان بعضهم من عناصر عربية وتثقفوا بثقافة أجنبية، والآخرون من عناصر أجنبية تثقفت بالثقافة العربية، مما كان له أثره في أصول البيان، وفي توجيه دراسته وبحوثه، وفي الدعوة إلى آراء في الأداب توائم ثقافتهم وعلقيتهم، وكان بعضهم يلقن مذاهبه الأدبية العامة للتلاميذ وشداة الأدب، كما نرى في محاضرة بشر بن المعتمر المعتزلي م٢١٠هـ في أصول البلاغة٨، والتي يقول الجاحظ عنها: إن بشرًا مر بإبراهيم من جبلة بن مخرمة٩،


١ ٢٠٩/ ١ البيان.
٢ ٢٢٤/ ٣ البيان.
٣ ٥٤/ ١ البيان.
٤ ١٠٥/ ١ البيان.
٥ ٢٢٥/ ٣ البيان.
٦ ٢٤٠/ ١ البيان.
٧ ١٠٦/ ١ البيان.
٨ ١٠٤/ ١ وما بعدها البيان، ٢٢٨ وما بعدها صناعتين.
٩ يعده الجاحظ من الخطباء الشعراء ١٥٥/ ١ البيان.

<<  <   >  >>