للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتّرصيع، نخبة البلغاء، وفخر الجهابذة العلماء، قائد جياد البلاغة من نواصيها، وسائق شوارد الحكم من أقاصيها، أبو عبد الله بن الخطيب أبقاه الله للقريض يقطف زهره، ويجتني غرره، وللبديع يطلع قمره، وينظم درره، وللأدب يحوك حلله، ويجمع تفاصيله وجمله، وللمعاني يجوس بجيوش البراعة خلالها، ويفتتح بعوامل اليراعة أقفالها، وللأسجاع يقرّط الأسماع بفرائدها، ويحلّي النحور بقلائدها، وللنّظم يورد جياده أحلى الموارد، ويجيلها في مضمار البلاغة من غير معاند، وللنّثر يفترع أبكاره، ويودعها أسراره، ولسائر العلوم يصوغها في مفرق الآداب تاجا، ويضعها في أسطر الطّروس سراجا، ولا زال ذا القلم الأعلى، وبدر الوزارة الأوضح الأجلى، ببقاء هذه الدولة المولوية والإمامة المحمدية كعبة لملوك الإسلام، ومقصدا للعلماء الأعلام، ورضى عنهم خلفا وسلفا، وبورك لنا فيهم وسطا وطرفا، ولا زالت آمالنا بعلائهم منوطة، وفي جاههم العريض مبسوطة، بقبول ما نبّه عليه، من كتب شيوخي المشاهير إليه، فها أنا أذكر ما تيسّر لي من ذلك بالاختصار، إذ لا تفي بذكرهم وحلاهم المجلّدات الكبار.

فمنهم مولاي الوالد علي بن عبد الله لقاه الله الرّوح والريحان، وأوسعه الرّضا والغفران. قرأت عليه القرآن وبعض ما يتعلق به من الإعراب والضبط. ثم بعثني إلى شيخنا المجتهد الإمام علم العلماء، وقطب الفقهاء، قدوة النّظار، وإمام الأمصار، منصور بن أحمد المشدالي، رحمه الله وقدّس روحه، فوجدته قد بلغ السّنّ به غاية أوجبت جلوسه في داره، إلّا أنه يفيد بفوائده بعض زوّاره، فقرأت من أوائل ابن الحاجب «١» عليه لإشارة والدي بذلك إليه، وذلك أول محرم عام سبعة وعشرين وسبعمائة. واشتدّ الحصار ببجاية لسماعنا أنّ السلطان العبد الوادي «٢» ينزل علينا بنفسه، فأمرني بالخروج، رحمه الله، فعاقني عائق عن الرجوع إليه؛ لأتمم قراءة ابن الحاجب عليه. ثم مات، رحمه الله، عام أحد وثلاثين وسبعمائة، فخصّ مصابه البلاد وعمّ، ولفّ سائر الطلبة وضمّ، إلّا أنه ملأ بجاية وأنظارها بالعلوم النظرية وقساها، وأنظارها بالفهوم النقلية والعقلية فصار من طلبته شيخنا المعظم، ومفيدنا المقدّم، أبو عبد الله محمد بن يحيى الباهلي المعروف بالمفسّر، رحمه الله، بالطريقة الحاجبية، والكتابة الشرعية والأدبية، مع فضل السّنّ وتقرير حسن، إلى معارف تحلّاها،