للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مجلسه، وثارت بهم الرجال، فأحيط بهم، ونزعت سيوفهم عن عواتقهم، وطارت الخيل في ضمّ من شذّ عنهم، فتقبّض على طائفة من أعلامهم، كانوا بين غرّ يباشر قنصا، أو مفلت لم يجد مهربا، وطارت الكتب إلى مالقة في شأن من بها منهم، فشملهم الاعتقال، ثم نقلوا إلى مدينة المنكب، فجعلوا في مطبق الأسرى بها، إبلاغا في النكال، وتناهيا في المثلة، فلم تجر عليهم مصيبة أعظم منها، لاضطرارهم إلى قضاء حاجة الإنسان برأي عين من أخيه، خطة خسف سئموها، مع العلم بنفور نفوسهم عن مثلها، وفيهم صدور البيت وأعلامه، كأبي ثابت المترجم به، وأخيه كبيره إبراهيم، وابن عمهم زين المواكب، وقريع السيوف، وعروس الخيل، حمّو بن عبد الله، وسواهم، وقانا الله شرّ الهلكات، واشرأب مخيفهم للسلطان صاحب المغرب، وولي الثّرة، إلى صرفهم إليه، وقد استوجب من ملك الأندلس الملاطفة لالتفاته لسيء البرد، واقتحامه باب القطر. وأخفق السعي، وضنّ بهم موقع النّقمة عن إسلامهم إليه، سيرة أحسنها في جنسهم من أولي الجهالف، فأجلاهم عما قريب في البحر إلى إفريقية، فاستقرّوا ببجاية، ثم استقدموا إلى تونس تحت إرصاد ورقبة، وأخفر فيهم ملكها الذّمة، وهم لديه، فوجّههم على بعد الدار، ونزوح المزار، إلى السلطان صاحب المغرب، مصحبين بشفاعة فيهم، كانت قصارى ما لديه، فاستقرّوا في الجملة تحت فلاح وكفاية، لا تلفت إليهم عين، ولا يتشبّث بذمل حظوتهم أمل. ثم نكبوا بظاهر سبتة نكبة ثقيلة البرك، مغارة البرك الحمل، وأودعوا شرّ السجون بمدينة مكناسة، فأصبحوا رهن قيود عديدة، ومسلحة مرتّبة، جرّ ذلك عليهم ذرّة من القول في باب طموحهم إلى الثورة، وعملهم على الانتزاء بسبتة، الله أعلم بحقّه من مينه. ولمّا صيّر الله ملك المغرب إلى السلطان، أمير المؤمنين أبي عنان، واضطره الحال إلى الاستظهار بمثلهم، انتشلهم من النكبة، وجبرهم بعد الصّدعة، وأعلق يد كبيرهم المترجم به بعروة العزّة، واستعان بآرائه على افتراع الهضبة، فألفى منه نقّابا قد هذّبته التجربة، وأرهفته المحنة، وأخلصته الصّنيعة، فسلّ منه سيفا على أعدائه، وزعموا أنه انقاد إلى هوى نفسه، واستفزّته قوة الثرّة، ولذّة التّشفي، وذهب إلى أن يكل للسلطان ناكبه المجاراة صاعا بصاع، فانتدب إلى ضبط ما بالأندلس من عمالة راجعة إلى ملك المغرب، فانقلب يجرّ وراءه الجيش، ويجنّب القوة، فقطع به عن أمله القاطع بالآمال، وأحانه الله ببعض مراحل طريقه مطعونا لطفا من الله به، وبمن استهدف إلى النّصب بمجادّته. وهو سبحانه مليء بالمغفرة عن المسرفين، سبحانه.

وفاته: في الأخريات من عام تسعة وأربعين وسبعمائة.