للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكن إلّا كلّا ولا، حتى تخطّى على هذا أوليته لبلة، فارتقى قلعة إصطخر من أرض فارس. فالله أعلم كيف ترقّاها، إذ لم يكن يؤتى من خطل ولا جهالة، بل وصله بها وسع علم، ووشجة رحم معقومة، فلها يستأخر الصلة، فتناهت حاله مع فقهاء عصره إلى ما وصف، وحسابه وحسابهم على الله الذي لا يظلم الناس مثقال ذرّة، عزّت قدرته.

حاله: قال الحميدي «١» : كان حافظا، عالما بعلوم الحديث وفقهه، مستنبطا للأحكام من الكتاب والسنّة، متفنّنا في علوم جمّة، عاملا بعلمه، زاهدا في الدنيا بعد الرّئاسة التي كانت له ولأبيه من قبله، في الإدارة «٢» وتدبير الممالك، متواضعا، ذا فضائل جمّة. قال: وما «٣» رأينا مثله فيما اجتمع له، مع الذكاء وسرعة الحفظ، وكرم النفس والتّديّن. قال أبو مروان بن حيان: كان أبو محمد حامل فنون، من حديث وفقه ونسب، مع المشاركة في كثير من أنواع التعاليم القديمة. وله في ذلك عدة تواليف.

وقد مال أولا به النّظر في الفقه إلى رأي أبي عبد الله الشافعي، وناضل عن مذاهبه، وانحرف عن مذهب غيره، حتى وسم به، واستهدف بذلك إلى كثير من الفقهاء، وعيب بالشّذوذ. ثم عدل في الآخر إلى قول أصحاب الظّاهر، مذهب داود بن علي، ومن تبعه من فقهاء الأمصار، فنقحه ونهجه، وجادل عنه، ووضع الكتب في بسطه، وثبت عليه إلى أن مضى بسبيله. وكان يحمل علمه، ويجادل عنه لمن خالفه فيه، على استرسال في طباعه، واستناد إلى العهد الذي أخذه الله على العلماء من عباده، ليبيّنه للناس، ولا يكتمونه، فآل أمره إلى ما عرف.

مشيخته: قال «٤» : سمع سماعا جمّا، وأول سماعه من أبي عمر أحمد بن محمد بن الجسور قبل الأربعمائة.

تواليفه: قال «٥» : بلغت تواليفه أربعمائة مجلد. وقال: حمل بعير، فمنها في علم الحديث كتاب كبير سمّاه «الإيصال إلى فهم كتاب «٦» الخصال، الجامعة لجمل شرائع الإسلام، في الواجب والحلال والحرام، وسائر الأحكام، على ما أوجبه القرآن والسّنة والإجماع» ؛ أورد فيه أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين،