للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فارتكب لها الأداهم مدّة، جمّاعة للمال، ذائدا عنه بعصا التّقتير، وربما غمس فيه إبرة للصدقة وساما بينه وبين الوزير، مكفي السماء على الأرض برأيه المستعين على الفتكة وما وراءها، بمنيع موالاتهم، وبانيه يوم مكاشفة الملإ إياه بالنّفرة، وكان قطب الرّحى للقوم في الوجهة إلى الأمير عبد الحليم، ومقيم رسمه. وانصرف إلى جهة مرّاكش عند الهزيمة عليه، فاتّصل بعميدها عامر بن محمد بن علي الهنتاتي، وجرت عليه خطوب، وعاثت في الكثير من نعمته أكفّ التّمزيق، ديدن الدهر، في الأموال المحتجنة، والنقود المكتنزة، واستقرّ أخيرا بسجلماسة، في مظاهرة الأمير عبد الحليم المذكور، وبها هلك. وكان على إزرائه ولسب لسانه، واخز تلال حيّة حدّته، ناصح الرأي لمن استنصحه، قوّاما فيه بالقسط، ولو على نفسه والوالدين والأقربين، فضيلة عرف فيها شأوه، مقيما لكثير من الرّسوم الحسبية.

دخوله غرناطة: قدم غرناطة في جمادى من عام تسعة وخمسين وسبعمائة في غرض الرّسالة، ووصل صحبته قاضي الجماعة بالمغرب أبو عبد الله المقري، وكان من امتساكه بالأندلس، ما أوجب عودة المترجم به في شأنه، فتعدد الاستمتاع بنبله.

وفاته: توفي قتيلا في الهزيمة على الأمير عبد الحليم بظاهر سجلماسة في ربيع الأول من عام أربعة وستين وسبعمائة.

يحيى بن طلحة بن محلّى البطوي، الوزير أبو زكريا

حاله: كان مجموعا رائعا، حسن شكل وجمال رواء، ونصاعة ظرف، واستجادة مركب وبزّة، قديم الجاه، مرعى الوسيلة، دربا على الخدمة، جلدا على الوقوف والملازمة، مجدي الجاه، تلمّ به نوبة تواضع، يتشبّث به الفقراء وأولي الكدية، فكه المجلس، محبّا في الأدب، ألفا للظرفاء، عاملا على حسن الذّكر وطيب الأحدوثة. تولّى الوزارة للسلطان أبي الحسن، ونشأ في حجر أبيه، ماتّا إليهم بالخؤولة القديمة، فتملّأ ما شاء من قرب ومزيّة، وباشر حصار الجبل لمّا نازله الطاغية؛ لقرب عهد بفتحه، فأبلى وحسن أثره. نشأ بالأندلس، وسكن وادي آش وغرناطة، واستحقّ الذكر لذلك.

شعره: وكان ينظم الشعر، فمن ذلك قوله في مزدوجة في غرض الفخر:

[الرجز]

أنا ابن طلحة ولا أبالي ... ليث السّرى في الحرب والنزال

يحيى حياة البيض والعوالي ... مبيد كلّ بطل مغتال