للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا اكتحلت برقّ ثغر باسم ... سكبت جفوني أغزر الأمطار

حذر الملام وخيفة من جفوة ... تذر الصدور على شفير هار

ترك الجواري الآنسات مذاهبي ... وسوّلها ظفر بريشة الأشعار

فلم أتمالك عند ذلك ضحكا، وعلمت أن الأمر قد سرّي إليه، فأعلمته قصّتها، فبسط العذر بفضله، وتأوّل الأمر، وقسّم الأشعار، على ثلاثة من بنيه؛ ذوي خطّ رائع، ونقل حسن، وأدب بارع، أخذوا في نسخها، وصرفوا الأصل لأجل قريب.

محنته: ولم يلبث أمير اللمتونيين بعد جوازه إلى الأندلس، وظهوره على طائفة الروم، أن فسد ما بينه وبين رؤساء الطوائف بالأندلس، وعزم على خلعهم، فأجاز من سبتة العساكر، وسرب الأمداد. وأخذ المعتمد بالعزم يحصّن حصونه، وأودع المعاقل عدّته، وقسّم على مظان الامتناع ولده، وصمدت الجموع صمدة بنيه، ونازل الأمير سير إشبيلية، دار المعتمد، وحضرة ملكه، ونازل الأمير محمد ابن الحاج قرطبة، وبها المأمون، ونزل جرور من قواده رندة، وبها الرّاضي ابن المعتمد. واستمرّ الأمر، واتصلت المحاصرة، ووقعت أمور يضيق الكتاب على استقصائها. فدخلت قرطبة في جمادى الآخرة عام أربعة وثمانين وأربعمائة، وقتل الراضي، وجلب رأسه فطيف به بمرأى من أبيه. وكان دخول إشبيلية على المعتمد، دخول القهر والغلبة، يوم الأحد لعشر بقين من رجب، وشملت الغارة، واقتحمت الدّور، وخرج ابن عباد في شكّته «١» ، وابنه مالك في أمّته معهما، فقتل مالك الملقب بفخر الدولة ورهقت الخيل، وكثر، فدخل القصر ملقيا بيده. ولما جنّ الليل، وجّه ابنه الأكبر الرشيد إلى الأمير، فحجب عنه، ووكّل بعض خدمه به، وعاد إلى المعتمد فأخبره بالإعراض عنه، فأيقن بالهلكة، وودّع أهله، وعلا البكاء، وكثر الصّراخ، وخرج هو وابنه، فأنزلا في خباء حصين، ورقبا بالحرس، وأخرج الحرم من قصره، وضمّ ما اشتمل عليه، وأمر بالكتب إلى ولده برندة ففعل. ولمّا نزل، واستوصلت ذخيرته، سلا، وأجيز المعتمد البحر، ومن معه إلى طنجة، فاستقرّ بها في شعبان من العام، وفي هول البحر عليه في هذا الحال، يقول رحمه الله: [البسيط]

لم أنس والموت يدنيني ويقصيني ... والموت كأنّ المنى يأتيني

أبصرت هولا لو أنّ الدهر أبصره ... لما خوّفا لأمر ليس بالدّون