للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الباب الخامس: فى أن حياة القلب وصحته لا تحصل إلا بأن يكون مدركا للحق مريدا له، مؤثرا له على غيره.]

لما كان فى القلب قوتان: قوة العلم والتمييز، وقوة الإرادة والحب. كان كماله وصلاحه باستعمال هاتين القوتين فيما ينفعه، ويعود عليه بصلاحه وسعادته. فكماله باستعمال قوة العلم فى إدراك الحق، ومعرفته، والتمييز بينه وبين الباطل، وباستعمال قوة الإرادة والمحبة فى طلب الحق ومحبته وإيثاره على الباطل. فمن لم يعرف الحق فهو ضال، ومن عرفه وآثر غيره عليه فهو مغضوب عليه. ومن عرفه واتبعه فهو مُنْعَمٌ عليه.

وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نسأله فى صلاتنا أن يهدينا صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، ولهذا كان النصارى أخص بالضلال؛ لأنهم أمة جهل. واليهود أخص بالغضب؛ لأنهم أمة عناد. وهذه الأمة هم المنعم عليهم. ولهذا قال سفيان بن عيينة: من فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى، ومن فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود؛ لأن النصارى عبدوا بغير علم، واليهود عرفوا الحق وعدلوا عنه.

وفى المسند والترمذى من حديث عدى بن حاتم عن النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال:

"الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ".

وقد جمع الله سبحانه بين هذين الأصلين فى غير موضع من كتابه، فمنها قوله تعالى:

{وَإِذا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِى وَلْيُؤْمِنُوا بِى لَعَلّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: ١٨٦] .

فجمع سبحانه بين الاستجابة له والإيمان به. ومنها قوله عن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم:

{فَالَّذِينَ آمَنُوا به وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الّذِى أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [الأعراف: ١٥٧] وقال تعالى {آلم ذلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمٍتَّقينَ الذينَ يُؤمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بَما أُنْزلَ إلَيْكَ وَمَا أُنْزلَ مِنْ قَبْلِكَ وبِالآخِرةِ هُمْ يُوقِنُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>