للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهم يزعمون أنهم يدفعون بالذى وضعوه الشبه والشكوك، والفاضل الذكى يعلم أن الشبه والشكوك زادت بذلك. ومن المحال أن لا يحصل الشفاء والهدى، والعلم واليقين من كتاب الله تعالى وكلام رسوله، ويحصل من كلام هؤلاء المتحيرين المتشككين الشاكين، الذين أخبر الواقف على نهايات إقدامهم بما انتهى إليه من ميراثهم، حيث يقول:

نهَايَةُ إِقدَامِ الْعُقُولِ عِقَالُ ... وَأَكثَرُ سعْىِ الْعَالَمِينَ ضَلاَلُ

وَأَرْوَاحُنَا فِى وَحْشَةٍ مِنْ جُسُومِنَا ... وَحَاصِلُ دُنْيَانَا أَذًى وَوَبَالُ

وَلمْ نَسْتَفِدْ مِنْ بَحْثِنَا طُولَ عُمرِنَاسِوى ... أَنْ جَمَعْنَا فِيه قِيلَ وَقَالوا

لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفى عليلا، ولا تروى غليلا. ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ فى الإثبات:

{الرَّحمنُ عَلَى الْعَرْش اسْتَوَى} [طه: ٥] ، {إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: ١٠] وأقرأ فى النفى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ} [الشورى: ١١] ، {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلماً} [طه: ١١٠] .

ومن جرب مثل تجربتى عرف مثل معرفتى.

فهذا إنشاده وألفاظه فى آخر كتبه. وهو أفضل أهل زمانه على الإطلاق فى علم الكلام والفلسفة، وكلام أمثاله فى مثل ذلك كثير جدا قد ذكرناه فى كتاب الصواعق وغيره. وذكرنا قول بعض العارفين بكلام هؤلاء "آخر أمر المتكلمين الشك، وآخر أمر المتصوفين الشطح" والقرآن يوصلك إلى نفس اليقين فى هذه المطالب التى هى أعلى مطالب العباد، ولذلك أنزله من تكلم به. وجعله شفاء لما فى الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين.

وأما شفاؤه لمرض الشهوات فذلك بما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب، والتزهيد فى الدنيا، والترغيب فى الآخرة، والأمثال والقصص التى فيها أنواع العبر والاستبصار، فيرغب القلب السليم إذا أبصر ذلك فيما ينفعه فى معاشه ومعاده ويرغب عما يضره، فيصير القلب محبا للرشد، مبغضا للغى. فالقرآن مزيل للأمراض الموجهة للإرادات الفاسدة، فيصلح القلب، فتصلح إرادته، ويعود إلى فطرته التى فطر عليها، فتصلح أفعاله

<<  <  ج: ص:  >  >>