للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الإرادة والمحبة والمشيئة والرضى والغضب والمقت وغير ذلك من الأمور، لو كان مخلوقاً في غيره لم يكن الرب تعالى متصفاً به، بل كان يكون صفة لذلك المحل، فإن المعنى إذا قام بمحل كان صفة لذلك المحل ولم يكن صفة لغيره فيمتنع أن يكون المخلوق أو الخالق موصوفاً بصفة موجودة قائمة بغيره لأنه فطر ذلك (١) ، ما وصف به نفسه من الأفعال اللازمة يمتنع أن يوصف الموصوف بأمر لم يقم به، وهذا مبسوط في مواضع أخر.

ومن قول السلف أن الناس من الله تعالى كما يقول ذلك بعض المتأخرين، قال الله تعالى: " لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ".

وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: " اقرأ علي القرآن " قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: " إني أحب أن أسمعه من غيري " فقرأت عليه سورة النساء، حتى بلغت إلى هذه الآية: " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً " قال: " حسبك " فنظرت فإذا عيناه تذرفان من البكاء.

والنبي صلى الله عليه وسلم سمعه من جبريل وهو الذي نزل عليه به، وجبريل سمعه من الله تعالى، كما نص على ذلك أحمد وغيره من الأئمة، قال تعالى: " قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله ".

وقال تعالى: " نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين ".

وقال تعالى: " وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون، قل نزله روح القدس من ربك بالحق " فأخبر سبحانه أنه نزله روح القدس - وهو الروح الأمين وهو جبريل - من الله بالحق، ولم يقل أحد من السلف أن النبي صلى الله عليه وسلم سمعه من الله وإنما قال ذلك بعض المتأخرين، وقوله تعالى: " إن


(١) قوله لأنه فطر ذلك ليس له معنى فلابد أن يكون محرفا وما قبله وما بعده سيأتي بيانه في مواضيع أخرى من هذه المباحث كما أشار إليه في قوله وهذا مبسوط في مواضع أخرى

<<  <  ج: ص:  >  >>