للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والدعوة إليه، وإن كان الجعد بن درهم قد سبقه إلى بعض ذلك، فإن الجعد أول من أحدث ذلك في الإسلام فضحى به خالد بن عبد الله القسري بواسط يوم النحر، وقال: يا أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، تعالى الله عما يقول الجعد علواً كبيراً " ثم نزل فذبحه، ولكن المعتزلة إن وافقوا جهماً في بعض ذلك فهم يخالفونه في مسائل غير ذلك، كمسائل الإيمان والقدر وبعض مسائل الصفات أيضاً، ولا يبالغون في النفي مبالغته، وجهم يقول: إن الله لا يتكلم أو يقول أنه متكلم بطريق المجاز، وأما المعتزلة فيقولون أنه يتكلم حقيقة لكن قولهم في المعنى هو قول جهم، وجهم ينفي الأسماء أيضاً كما نفتها الباطنية ومن وافقهم من الفلاسفة، وأما جمهور المعتزلة فلا تنفي الأسماء.

فالمقصود أن قوله " منزل من ربك " فيه بيان أنه منزل من الله لا من مخلوق من المخلوقات، ولهذا قال السلف: منه بدأ، أي هو الذي تكلم به لم يبتدئ من غيره كما قال الخلقية.

ومنها أن قوله " منزل من ربك " فيه بطلان قول من يجعله فاض على نفس النبي من العقل الفعال أو غيره (١) كما يقول ذلك طوائف من الفلاسفة والصابئة وهذا القول أعظم كفراً وضلالاً من الذي قبله.

ومنها أن هذه الآية أيضاً تبطل قول من قال أن القرآن العربي ليس منزلاً


(١) هذا يشبه قول بعض فلاسفة أوربة أن وحي الأنبياء يفيض من أنفسهم في أحوال مخصوصة تستولي عليها وتستغرق ادراكها ووجدانها كاستيلاء كراهة الوثنية على نبينا صلى الله عليه وسلم. ويرده أن الوحي إليه لم يكن مقصوداً على إبطال الوثنية وخرافاتها واثبات التوحيد وما يناسبه من العبادات والفضائل، بل فيه من أخبار الغيب الماضية والآتية ومن الحكمة وأصول التشريع مالا يعقل أن يكون نابعا من نفس رجل أمي ولا متعلم. وإنما يعقل أن يكون وحيا من عالم الغيب والشهادة

<<  <  ج: ص:  >  >>