للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يقدر أن يكون كري الشكل والله تعالى محيط بالمخلوقات كلها إحاطة تليق بجلاله (١) فإن السموات السبع في يده أصغر من الحمصة في يد أحدنا.

وأما قول القائل: إذا كان كرياً والله من ورائه محيط به بائن عنه، فما فائدة أن العبد يتوجه إلى الله حين دعائه وعبادته فيقصد العلو دون التحت، فلا فرق حينئذ وقت الدعاء بين قصد جهة العلو وغيرها من الجهات التي تحيط بالداعي؟ ومع هذا نجد في قلوبنا قصداً بطلب العلو، لا نلتفت يمنة ولا يسرة فأخبرونا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا وقد فطرنا عليها؟

فيقال له: هذا السؤال إنما ورد لتوهم المتوهم أن نصف الفلك يكون تحت الأرض وتحت ما على وجه الأرض من الآدميين والبهائم، وهذا غلط عظيم، فلو كان الفلك تحت الأرض من جهة لكان تحتها من كل جهة، فكان يلزم أن يكون الفلك تحت الأرض مطلقاً، وهذا قلب للحقائق، إذ الفلك هو فرق الأرض مطلقاً، وأهل الهيئة يقولون: لو أن الأرض مخروقة إلى ناحية أرجلنا وألقي في الخرق شيء ثقيل كالحجر ونحوه لكان ينتهي إلى المركز، حتى لو ألقي من تلك الناحية حجر آخر لالتقينا جميعاً في المركز (٢) ولو قدر أن إنسانين التقيا في المركز بدل الحجر لالتقت رجلاهما ولم يكن أحدهما تحت الآخر بل كلاهما فوق المركز وكلاهما تحت الفلك كالمشرق والمغرب، فإنه لو قدر أن رجلاً بالمشرق


(١) أما دليل احاطته فقوله عز وجل (والله من ورائهم محيط) وأما قوله: احاطه تليق بجلاله فلنفي التشبيه باحاطة الاجسام بعضها ببعض، على قاعدة السلف التي قررها شيخ الإسلام مرراً وهي الإيمان بالنصوص من غير تشبيه ولا تعطيل ولا تأويل
(٢) هذا متفق عليه بين المتقدمين والمتأخرين من علماء الفلك ويعللون به جاذبية الثقل فهي تختلف بمدى بعد المحيط عن المركز وهو يختلف في المنطقة الاستوائية عن منطقتي كما اشرنا إليه في حاشية (ص ١٢٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>