للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمنزلة من يقول، أريد أن أحج من الغرب فأذهب إلى خراسان (١) ثم أذهب إلى مكة، بل بمنزلة من يقول أصعد إلى الأفلاك فأنزل في الأرض لأصعد إلى الفلك من الناحية الأخرى، فهذا وإن كان ممكناً في المقدار، لكنه يستحيل من جهة امتناع إرادة القاصد له، وهو مخالف للفطرة، فإن القاصد يطلب مقصوده بأقرب طريق لا سيما إذا كان مقصوده معبوده الذي يعبده ويتوكل عليه. وإذا توجه إليه على غير السراط المستقيم كان مسيره منكوساً معكوساً.

وأيضاً فإن هذا الجمع في سيره وقصده بين النفي والإثبات بين أن يتقرب إلى المقصود ويتباعد عنه، ويريده وينفر منه، فإنه إذا توجه إليه من الوجه الذي هو عنه أبعد وأقصى، وعدل عن الوجه الأقرب الأدنى، كان جامعاً بين قصدين متناقضين، فلا يكون قصده له تاماً، إذ القصد التام ينفي نقيضه وضده، وهذا معلوم بالفطرة، فإن الشخص إذا كان يحب النبي صلى الله عليه وسلم محبة تامة ويقصده أو يحب غيره مما يحب - سواء كانت محبة محمودة أو مذمومة - ومتى كانت المحبة تامة، وطلب المحبوب طلبه من أقرب طريق يصل إليه (٢) بخلاف ما إذا كانت المحبة مترددة مثل أن يحب ما يكره محبته في الدين فتبقى شهوته تدعوه إلى قصده وعقله


(١) أي من الشام - حيث كان المؤلف - إلى خرسان، ومعلوم أن مكة في الجهة الجنوبية للشام وخراسان في الجهة الشرقية فالذهاب من الشام غربا إلى خراسان في الشرق ثم إلى مكة ممكن لان الأرض كرة ولكن هذا عمل لا يعمله من لا يريد بطواف أكثر محيط الأرض إلا مكة للحج إلا أن يكون مجنوناً، وإنما يفعله العاقل إذا كانت الرحلة إلى هذه الاقطار مقصودة لذاتها
(٢) قوله طلبه من أقرب طريق إلخ جواب إذا ومتى أي إذا كان يجب ما ذكر ومتى كانت محبته له تامة وطلبه بمقتضاها طلبه من أقرب طريق، وفيه ما ترى من التعقيد

<<  <  ج: ص:  >  >>